مع استمرار المواجهات بين الاحتلال الاسرائيلي والفلسطينيين في الاراضي المحتلة، بدأ البعض في الداخل يطرح تساؤلات حول إمكان تأثر لبنان بالكتلة الهوائية الحارة التي هبّت على الجبهة الفلسطينية وما اذا كان «حزب الله» سيكتفي بالتضامن مع فصائل المقاومة ام ان موقفه قد يتطور في اتجاه مساندة تلك الفصائل عسكرياً من جنوب لبنان.
الأكيد انّ الحزب يعتبر نفسه معنياً مباشرة بما يجري في الاراضي المحتلة وليس مجرد مراقب من بعيد، إنطلاقاً من كونه شريكاً لحركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وغيرها من القوى ضمن محور المقاومة الذي تشكّل غزة إحدى حلقاته المتقدمة، لكن الحزب حريص في الوقت نفسه على عدم التصرف بانفعال وتهور، وبالتالي هو يدقق جيداً في الحسابات والخيارات قبل اتخاذ اي قرار استراتيجي، من شأنه ان يترك انعكاسات كبيرة على لبنان، وربما على جهات أخرى في المحور أيضاً.
حتى هذه اللحظة لا يجد الحزب ضرورة ليؤازر عسكريّاً الفصائل الفلسطينية في معركتها مع الاحتلال الاسرائيلي ما دامت صامدة ومتماسكة وتجيد إدارة المواجهة الميدانية وتردّ الصاع صاعين على رغم الثمن الذي يُدفع، وبالتالي هي قادرة وحدها حتى الآن على تحمل الأعباء القتالية ولا تحتاج إلى دعم مباشر وفوري من الحلفاء.
هذه النظرية طُبّقت كذلك خلال عدوان تموز 2006 حين ابلغ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الى الرئيس السوري بشار الأسد، الذي عرض عليه آنذاك المساعدة، ان ليست هناك حاجة لكي تفتح سوريا جبهة عسكرية لتخفيف الضغط على الحزب، كون المقاومة تتدبر أمورها جيداً.
بهذا المعنى، فإنّ الحزب يعتبر ان فرضية تدخله العسكري الى جانب الفصائل الفلسطينية تصبح واردة فقط إذا اختلت موازين القوى بقدر كبير لمصلحة العدو الاسرائيلي وبات تنظيما «الجهاد» و»حماس» في موقع ضعيف ومهدد، الأمر الذي يبدو مستبعداً وفق تقديرات الحزب، خصوصاً ان المقاومة الفلسطينية لا تزال تخفي في جعبتها أوراقاً قوية لم تستخدمها بعد في المواجهة.
وأساساً، يسود شعور عند الحزب وحلفائه في الإقليم بأنهم شركاء حقيقيين في المعركة التي تدور حالياً، ولو انهم لم ينخرطوا فيها رسمياً عبر فتح الجبهات، إذ انّ جزءاً من الصواريخ النوعية التي يستخدمها الفلسطينيون في مهاجمة العمق الحيوي الاسرائيلي يحمل لناحية التصنيع والنقل بصمات إيران والحزب اللذين يشكلان رافداً حيوياً لغزة سواء على مستوى إيصال السلاح او تصدير الخبرات، وهناك غرفة عمليات مشتركة تتولى التنسيق في الأمور العملانية كلما استدعت الضرورة ذلك.
واذا كان قصف مدينة تل أبيب وغيرها من المناطق داخل الكيان الاسرائيلي يأتي بالدرجة الأولى في سياق قرار الفصائل الفلسطينية بالدفاع عن القدس ومنع استفرادها، غير انه ينطوي كذلك على رسالة اضافية إلى قادة الاحتلال من مجمل المحور الذي شارك في إمدادات السلاح والخبرات، فحواها الرد بمفعول رجعي على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي تستهدف بعض قوى هذا المحور من حين الى آخر، وفق مقاربة قريبين من الحزب.
ولأنّ «حزب الله» يحتسب لكل الاحتمالات المستقبلية، فهو يعكف من خلال مواكبته الدقيقة والحثيثة لمجريات المعركة الحالية على التدقيق في سلوك جيش الاحتلال وردود أفعاله ووضع جبهته الداخلية ومكامن ضعفه لاستخراج الدروس والاستفادة منها اذا حاول الاسرائيلي ان يخوض مغامرة جديدة في لبنان.