في ذروة وباء كورونا في الولايات المتحدة، كانت المستشفيات بحاجة إلى فرز المرضى، حيث تم قبول الحالات الخطيرة فقط، في حين تم إرسال آخرين إلى منازلهم للمراقبة الذاتية، وكان أحد المقاييس المستخدمة لتحديد مدى خطورة الحالة مستوى الأكسجين في الدم.
والأجهزة المستخدمة عادة للقيام بذلك -والمعروفة باسم مقياس التأكسج النبضي- سهلة الاستخدام؛ إذ تُعلق على أطراف الأصابع مثل مشبك الغسيل.
وقالت مجلة "ذي إيكونوميست" (The Economist) الأميركية إن عملا نُشر العام الماضي في دورية "نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين" (New England Journal of Medicine)، ودرس أكثر من 10 آلاف مريض في الولايات المتحدة؛ اقترح أن مقاييس التأكسج النبضية تستخدم تشبع الأكسجين في الدم بشكل مبالغ فيه لدى الأشخاص السود أكثر من البيض.
سجل مقياس التأكسج النبضي أن بعض المرضى الملونين يتمتعون بصحة أفضل مما هم عليه بالفعل (مواقع التواصل)
وأوضحت المجلة أن الإنسان الذي يتمتع بصحة جيدة لديه نسبة تشبع أكسجين تتراوح بين 92 و96%. وفي هذا العمل، كان لدى بعض المرضى الذين سجلوا هذا المستوى وفقًا لقياس التأكسج النبضي تشبع حقيقي أقل من 88%.
وبالنسبة للمشاركين السود، حدث هذا بنسبة 12% من الحالات، أي 3 أضعاف المعدل الذي سُجل لدى المشاركين البيض. وكما لاحظ قائد الدراسة مايكل سجودينغ من جامعة ميشيغان (University of Michigan)، فإن هذا الاختلاف مثّل علامة فاصلة بين الدخول إلى المستشفى أو العودة إلى المنزل.
نبضات غير منتظمة
وذكرت المجلة أن تحقيقات الدكتور سجودينغ ليست الدليل الوحيد على هذا التحيز؛ إذ يرجع العمل الذي يشير إلى وجود مشاكل في مقاييس التأكسج النبضي إلى عام 1999.
ففي 19 فبراير/شباط، بعد بعض الاهتمام الإعلامي ورسالة إلى إدارة الغذاء والدواء من 3 أعضاء في مجلس الشيوخ؛ أصدرت تلك الوكالة تحذيرا بأن "مقاييس التأكسج النبضي تشوبها عيوب، وقد تفتقر إلى الدقة في ظل ظروف معينة يجب أخذها بعين الاعتبار".
لكن الفكرة الأوسع هي أن التكنولوجيا الطبية يجب أن تصمم منذ البداية لتكون خالية من مثل هذا التحيز، ولسوء الحظ هي ليست كذلك؛ فقد تم تصميمها من قبل رجال بيض وتم اختبارها على الرجال البيض؛ لذلك فإن كونها تعمل بشكل أفضل مع الرجال البيض ليس مفاجأة.
مقاييس التأكسج النبضي تشوبها عيوب وقد تفتقر إلى الدقة (شترستوك)
وتعد مقاييس التأكسج النبضي -التي تم اختراعها في السبعينيات، وتم تكييفها للاستخدام التجاري في الثمانينيات- مثالا كلاسيكيا على ذلك؛ فهي تعمل عن طريق تمرير شعاعين من الضوء: أحدهما أحمر والآخر من الأشعة تحت الحمراء، عبر نسيج الإصبع ثم حساب كمية كل ما يتم امتصاصه.
ويمتص الهيموغلوبين المؤكسج وغير المؤكسج هذه الترددات بشكل مختلف، مما يعني أنه يمكن تحديد نسبة تشبع الأكسجين في دم شخص ما من خلال مقارنة قوة الشعاعين بعد مرورهما من خلال إصبع ذلك المريض.
ومن الواضح أن البشرة الداكنة تمتص الضوء الساقط أكثر من البشرة البيضاء، مما يضعف الإشارة، وقد تمتص شعاعا واحدا أكثر من الآخر؛ لذلك، ومن ثم فإنه ما لم يتم إجراء هذه المعايرة على كل منهما فقد تكون النتيجة متحيزة.
خوارزمية متحيزة
ورغم تاريخه المليء بالأخطاء، فإن مقياس التأكسج النبضي هو الدعامة الأساسية في المستشفيات؛ فقياس غازات الدم الشرياني مخصص للمرضى من ذوي الحالات الخطيرة.
حتى قبل كوفيد-19، استخدم الأطباء بشكل روتيني مقاييس التأكسج النبضي لتحديد من يدخل المستشفى ومراقبة صحة المرضى واتخاذ قرارات بشأن علاجهم.
لكن مقياس التأكسج النبضي ليس المثال الوحيد على التحيز؛ فهناك فضيحة أخرى عبارة عن خوارزمية طبية تُستخدم على أكثر من 100 مليون أميركي سنويا لتخصيص الموارد النادرة لمن هم في أمس الحاجة إليها.
حيث أظهرت دراسة نُشرت عام 2019 أن هذا البرنامج أعطى الأولوية للمرضى البيض على حساب المرضى السود، لأنه استخدم الإنفاق الطبي السابق للأشخاص كدليل لاحتياجاتهم الطبية الحالية.
ونظرًا لأن المرضى السود ينفقون عادة بنسبة أقل على الرعاية الطبية بسبب عدم التمكن من الوصول والتحيز العنصري في العلاج، فتكون عادة لديهم نفقات سابقة أقل من المرضى البيض من ذوي المتطلبات الطبية المماثلة، ويتم تمييز المرضى البيض على السود.
تحيز ضد النساء
وأوضحت المجلة أن العرق لا يعد المصدر الوحيد للتحيز العنصري؛ فالنساء يتعرضن غالبا إلى مشاكل طبية عند طلب العلاج. فعلى سبيل المثال، من المرجح أن تفشل عمليات مثل زراعة الورك وجراحة القلب التي تُجرى للنساء أكثر من الرجال.
فقد وجدت دراسة نُشرت عام 2013 -في مجلة الجمعية الطبية الأميركية- أن النساء في المناطق الأميركية الأربع التي درسها المؤلفون أكثر عرضة بنسبة 29% لفشل زراعة مفصل الورك في غضون 3 سنوات من عمليات استبدال مفصل الورك.
ووجدت دراسة أخرى نشرت عام 2019 أن النساء أكثر عرضة مرتين للمعاناة من مضاعفات أجهزة القلب القابلة للزرع، مثل أجهزة تنظيم ضربات القلب، في غضون 90 يوما من زرعها.
ويُعزى ذلك إلى فشل صانعي الأجهزة في التعرف على الاختلافات الجسدية، خاصة في الحجم، بين أجساد الذكور والإناث. ويجعل ذلك النساء أكثر عرضة للإصابة بالمضاعفات الصحية؛ لذلك ينبغي اختبار الأجهزة على نطاق أوسع حتى لا تبقى حكرا على الذكور البيض.
منذ عام 1993، وجه الكونغرس المعاهد الوطنية للصحة في البلاد لطلب إشراك النساء والأشخاص غير البيض في التجارب السريرية، كما تشجع إرشادات إدارة الأغذية والعقاقير الدراسات على الحصول على "أعداد كافية" من المشاركين لإجراء التحليلات حسب الجنس أو العرق.
ولكن بعد عقود من التوجيه، لا يزال تمثيل الأشخاص غير البيض والنساء غير كاف، حيث وجد تحليل نشر عام 2019 أن نسبة النساء كانت أقل من 30% من عدد المشاركين في 15% من الدراسات التي أجريت عام 2015، كما وجد أن السود -الذين يشكلون 13% من سكان أميركا- بلغت نسبتهم 10% أو أقل من عدد المشاركين في الدراسة.
المصدر: أ.ف.ب - الجزيرة