في نهاية ثمانينيات القرن الماضي سطع نجم قائد الجيش العماد ميشال عون، بعدما قلّدهُ الرئيس السابق أمين الجميل مقاليد البلد بواسطة حكومة عسكرية انتقالية، ما لبثت أن فقدت ميثاقيتها باستقالة الوزيرين المسلمَين، وبدل أن يعمد "الرئيس" الإنتقالي إلى تأمين انتخاب رئيس جمهورية شرعي، نصّب نفسه رئيساً بقوة الأمر الواقع، وخاض معارك حربية مُدمّرة مع القوات اللبنانية أولاً، ومن ثمّ مع القوات السورية، التي ما لبثت أن قامت باقتلاعه من قصر بعبدا، بتوافقٍ إقليمي ودولي، وأجبرته على اللجوء إلى فرنسا لمدة خمسة عشر عاماً، وبعد رحيل الجنرال عون سطع نجمٌ آخر في سماء لبنان: إنّه الراحل رفيق الحريري، رجل الأعمال والمال بامتياز، وسياسيُّ فاشل بكافة المقاييس، تسلّم بلداً لا ديون عليه، وتركه يوم استشهاده عام ٢٠٠٥ مُثقلاً بالديون، بعد تبذير الأموال وتفشّي الفساد وهدر المال العام والاثراء غير المشروع وصرف النفوذ وتكديس الثروات في كافة أوصال البلد.
إقرأ أيضا : قدسُ الكتابة ودنسُها
ودارت الأيام دورتها على اللبنانيين، ليشهدوا نهاية العام ٢٠١٦ عودة الجنرال عون إلى سدة الرئاسة الأولى، برفقة إبن الشهيد رفيق الحريري: سعد الحريري رئيساً للحكومة، ثنائي جديد يحمل شؤم وأثقال وفساد حقبة الحرب الأهلية، مُضافاً إليها فضائح فترة الوصاية السورية على لبنان، وانبرى الرجلان: الحريري بالأصالة عن نفسه، والوزير جبران باسيل بالوكالة عن عمّه الجنرال عون، في مواصلة نهج خراب ودمار لبنان وتفاقم مديونيّته، واحتدام أزماته المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمعيشية والحياتية التي تعانيها البلاد هذه الأيام، والتي لا مثيل لها في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر، والأنكى من كل ذلك أنّ الرئيس عون ومعه الرئيس سعد الحريري لا يرحمان هذا البلد المنكوب، ولا يسمحان برحمة المجتمع الدولي، فلا الأول يتنحّى عن الرئاسة الأولى بعد أن ثبُت فشله الذريع في قيادة البلد، ولا الثاني يتنحّى ويعتذر عن ما خلّفتهُ الحريرية السياسية من مآسٍ وأحزان في حقّ هذا الشعب اللبناني الصابر المحتسب، علّ وعسى أن يتقدم مسؤولٌ ما ليحمل راية إنقاذ بلدٍ شارف على لفظ أنفاسه الأخيرة، وبات شعبه على شفا الانهيار الشامل.