أصابت الموجة الثانية من وباء كورونا الهند مخلفة أثرا مدمرا، إذ تم تسجيل أكثر من 300 ألف إصابة جديدة و3 آلاف وفاة يوميا في جميع أنحاء البلاد في الوقت الحالي، كما تجاوز العدد الإجمالي للوفيات 200 ألف حالة؛ لكن من الواضح أيضا أن هذه الإحصاءات لا تعكس الواقع.
في تقرير نشره موقع "ذا كونفرسيشن" (The Conversation) الأسترالي، قالت الكاتبة أوما إس كامبهباتي إن ضراوة الموجة الثانية في الهند مرتبطة بمجموعة من العوامل، أبرزها تهاون الحكومة المدفوع بضعف جمع البيانات، وإنكار حقيقة البيانات، وسلالة متحورة جديدة شديدة العدوى، وبعض الأحداث الدينية والسياسية الكبيرة وغير المنظمة.
وتعيش الهند، التي يبلغ تعداد سكانها 1.4 مليار نسمة ويشكلون سدس سكان العالم، أزمة إنسانية متعددة الأبعاد من شأنها أن تؤثر أيضا على الاقتصاد العالمي بعدة طرق.
تراجع النمو
تعد الهند خامس أكبر اقتصاد في العالم، وتساهم بشكل كبير في النمو الاقتصادي العالمي، ومع معدلات نمو مرتفعة نسبيا تتراوح ما بين 4% و8%، فإن لها تأثيرا كبيرا على الاقتصاد العالمي.
في أوائل عام 2020، قبل انتشار الوباء، حذر صندوق النقد الدولي من أن لا مبالاة الهند هي السبب الرئيس وراء ركود أرقام النمو العالمي في عامي 2018 و2019. وكان صندوق النقد الدولي قد خفض من توقعاته بشأن النمو العالمي لعام 2020 إلى 5.8% جزئيا؛ بسبب التوقعات بتراجع النمو في شبه القارة الهندية، والآن يبدو أن النمو العالمي لعام 2020 تراجع إلى حوالي 4% مع تراجع النمو الاقتصادي للهند بنسبة 10%.
كان من المتوقع تحقيق انتعاش كبير عام 2021 في كل من الهند والعالم؛ لكن اليوم أصبح الأمر مشكوكا فيه، إلى جانب المشاكل الكبيرة المرتبطة بالسلالات المتحورة الجديدة في البرازيل وجنوب أفريقيا، فإن التأثير على النمو العالمي قد يكون كبيرا، حتى قبل أخذ أي آثار غير مباشرة بعين الاعتبار.
القيود الدولية
فيما يتعلق بالآثار غير المباشرة، من المرجح أن تسبب الأزمة في الهند استمرار القيود الدولية لفترة أطول مما كان متوقعا، فعلى سبيل المثال، في رحلة أخيرة من نيودلهي إلى هونغ كونغ، ثبتت إصابة 52 راكبا بفيروس كوفيد-19، ويتطلب منع انتشار الفيروس من الهند إجراءات حجر صحي صارمة وفرض قيود على السفر، وهذه أخبار سيئة لشركات الطيران والمطارات والشركات التي تعتمد عليها، وهو ما سيتسبب في كبح النمو الاقتصادي العالمي.
مشاكل صناعة الأدوية
تعد صناعة الأدوية في الهند ثالث أكبر صناعة في العالم من حيث الحجم، وتحتل المرتبة 11 من حيث القيمة، كما تساهم بنسبة 3.5% من إجمالي الأدوية والأدوية المصدرة عالميا، وتستأثر بحوالي 20% من الصادرات العالمية من الدواء المكافئ، وفي حال تضررت هذه الصادرات، ستتأثر الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم، والتي ستؤثر بدورها مرة أخرى على النمو العالمي.
وتنتج الهند حاليا 70% من اللقاحات في العالم، حيث مُنح معهد "سيروم الهند" حقوق إنتاج لقاح "أسترازينيكا" (AstraZeneca) لـ64 دولة منخفضة الدخل ضمن برنامج "كوفاكس" (COVAX) التابع لمنظمة الصحة العالمية، بالإضافة إلى 5 ملايين جرعة مخصصة للمملكة المتحدة.
وأدت الأزمة في الهند بالفعل إلى تأجيل أو إلغاء صادرات اللقاح؛ مما جعل العديد من البلدان عرضة لموجات جديدة من الفيروس قد تتسبب في تأخير إمكانية عودة نشاطهم الاقتصادي إلى وضعه الطبيعي.
وإذا كانت الهند غير قادرة على توفير إمدادات اللقاح لبقية العالم، فمن المتوقع أن يخلف ذلك آثارا غير مباشرة تكون في شكل عمليات إغلاق متكررة، والتشديد على أهمية اتّباع تدابير التباعد الاجتماعي، وانخفاض كبير في النشاط الاقتصادي.
تراجع قطاع الخدمات
توفر الهند موظفي المكاتب الخلفية (موظفي الإدارة والدعم الذين لا يواجهون العملاء) للعديد من الأنشطة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، خاصة في قطاعي الصحة والمالية، ومع تعرض هذه الخدمات للخطر اليوم، تشعر غرفة التجارة الأميركية بالقلق من أن الاقتصاد الهندي يمكن أن يخلق عائقا للاقتصاد العالمي، علاوة على ذلك، تكتسي الروابط التجارية مع الهند بالنسبة للمملكة المتحدة أهمية كبيرة خاصة في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
بالنظر إلى كل هذه القضايا والأزمة الإنسانية، أصبح من الضروري أن يتحرك العالم بسرعة لمساعدة الهند سواء طلبت المساعدة أم لا، إننا نشهد دلائل على حدوث ذلك، وإن كان بعد تأخير، حيث قدمت المملكة المتحدة مُكثفات الأكسجين وأجهزة التنفس الصناعي، بينما مدتها الولايات المتحدة بالمواد الأولية للقاح والأدوية والاختبارات السريعة وأجهزة التنفس الصناعي، وقدمت ألمانيا الأكسجين والمساعدات الطبية.
قد تكون محاولات الحكومة الهندية غير فعالة في التعامل مع الأزمة الحالية؛ لكن الفشل في إدراك كيفية تأثيرها على العالم سيكون بمثابة درجة أخرى من التهاون مع الأزمة. إذا فشلت القوى الرئيسة في بذل كل ما في وسعها للمساعدة، فإن أزمة الهند ستصبح أزمة عالمية في وقت قصير، لا في مجال الصحة فقط؛ بل في المجال الاقتصادي أيضا.