رغم انّ موعد إطلاق المنصّة الالكترونية تحدّد مبدئياً الاثنين المقبل، يستمر الغموض مسيطراً في شأن طبيعة عمل هذه المنصّة، والوظيفة التي ستؤديها، بالاضافة الى الغموض المحيط بآلية تمويل المنصة، وهذه هي النقاط الأهم والأخطر في هذا المشروع.
تسلّم وزير المال في حكومة تصريف الأعمال كتاباً من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حول موضوع المنّصة الإلكترونية لعمليات الصرافة التي سيُنشئها المصرف المركزي بهدف تأمين ثبات القطع، بحسب بيان صادر عن مكتب وزير المال امس.
ورغم انّه لم يُحدّد بعد سعر الصرف الذي سيبدأ التعامل به في اليوم الأول من إطلاق المنصّة، والمتوقع ان يكون يوم الاثنين المقبل، تداولت معلومات عن انّه سيكون قريباً من سعر الصرف في السوق الموازية، ليتراوح عند حدود الـ10 آلاف ليرة.
وفي حال نجحت المنصّة الجديدة في تلبية الطلب الكبير على الدولار من قِبل التجار والمستوردين للسلع المدعومة وغير المدعومة، من المرجّح ان يكون تأثيرها ايجابياً في المدى القصير، فقط على سعر الصرف في السوق السوداء، إذ سيتراجع الطلب في السوق الموازية لينحصر بالافراد والتجار من غير المستوردين، وبمن يسعى الى تخزين الدولارات.
اما في حال لم تستطع المصارف والصيارفة تأمين الطلب على الدولار عبر تلك المنصّة، فإنّ مصيرها سيكون مماثلاً لمصير الدعم ومنصة الـ3900 ليرة، والذي باء بالفشل.
إلّا انّه في الحالتين، وطالما انّ المعروض من العملات الاجنبية في السوق يقلّ بمعدل كبير عن حجم الطلب، وطالما انّ مصرف لبنان لم يعد يملك الامكانيات المالية للتدخّل في السوق وضخ سيولة نقدية اجنبية بعد استنزاف احتياطه، فإنّ أي آلية أو منصّة معتمدة لكبح انهيار الليرة لن تنجح سوى لفترة محدودة، خصوصاً انّ الطلب على الدولار سيشهد ارتفاعاً اضافياً مع رفع الدعم عن السلع الاساسية المستوردة، حيث سيضطر مستوردو تلك السلع الى تأمين ما نسبته 100 في المئة من قيمة مستورداتهم بالعملات الاجنبية، بدلاً من 15 في المئة حالياً. إلّا اذا قرّر مصرف لبنان استخدام اموال الدعم بعد رفعه، لضخها في المنصّة الجديدة، أي الاحتياطي الالزامي للمصارف لديه.
وكما يؤكّد غالبية خبراء الاقتصاد استناداً الى تجارب العديد من البلدان، فإنّ النجاح في رفع سعر الصرف العملة المحلية في السوق الموازية عادة ما يكون قصير الأجل، عندما يُعالج بوسائل وآليات مجتزأة و»ترقيعية»، من دون سياسة مالية واضحة وإصلاحات اقتصادية شاملة.
ويعتبر أحد المسؤولين الماليين الدوليين، انّ الحقائق الاقتصادية واضحة، «لم يعد بإمكان صانعي السياسات في لبنان الحفاظ على نظام سعر الصرف الثابت. لم تعد السياسة النقدية فعّالة. النظام المصرفي ومصرف لبنان مفلسان، ولا يملك مصرف لبنان الاحتياطيات الأجنبية اللازمة للتدخّل في السوق». مشدّداً على انّ الخيار الوحيد الذي سيكون أمام لبنان قريباً هو تعويم سعر الصرف، «لكن يبقى السؤال الاهم: هل سيتمّ ذلك بطريقة منظّمة، كجزء من برنامج صندوق النقد الدولي، أو التعويم غير المنظّم الذي ستفرضه قوى السوق؟»، مرجحاً السيناريو الثاني، بالنظر إلى الانقسام السياسي الحاصل في البلاد.
في هذا الاطار، أوضح الخبير المصرفي سمير طويلة لـ»الجمهورية»، انّ المصارف أرسلت الاسبوع الماضي الكوادر البشرية للحصول على التدريب اللازم في مصرف لبنان على عمل المنصّة، وتمّ خلال الاسبوع الحالي عقد دورة مقفلة تجريبية بين المصارف والصيارفة حول كيفية عمل المنصّة، «ونحن بانتظار التعاميم التفصيلية التي سيُصدرها مصرف لبنان حول آلية عمل المنصّة وحول أسعار الصرف التي ستعتمدها، بالاضافة الى المستندات المطلوب تأمينها من قِبل التجار والمستوردين، لإتمام أية عملية عبر المنصة، من اجل تفادي ما حصل من هدر في اطار سياسة الدعم».
واكّد انّ سعر الصرف الذي سيتمّ اعتماده غير محدّد بعد، كما انّ تمويل عمليات المنصة غير معلوم مصدره «ونحن بانتظار تعاميم البنك المركزي، إلّا انّه من المؤكّد انّ المصارف غير مستعدّة اطلاقاً لتمويل هذه العمليات». وسأل: «هل يملك البنك المركزي كلفة تمويلها مع بلوغ احتياطه من العملات الاجنبية الخط الاحمر، الذي لا يمكن تجاوزه وهو الاحتياطي الالزامي للمصارف؟».
وحول امكانية استخدام المصارف لاموالها المودعة لدى مصرف لبنان، اعتبر طويلة، انّه من المفترض ان تكون المصارف قادرة على استعمال اموالها «إلاّ انّ المشكلة تكمن في اننا لم نستحصل على آخر الارقام والإحصاءات المالية للفصل الاول من العام الحالي، ولا نعلم بشكل دقيق حجم الودائع المتبقية بالدولار وبالليرة لغاية 31 آذار الماضي».
في المقابل، شدّد طويلة على انّ لا مستقبل للمنصة، وهذا ليس حلّا، بل تأليف حكومة اخصائيين مستقلين تقوم بالاتفاق على برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي، ليصار الى توزيع الخسائر على 3 فرقاء هم الدولة، البنك المركزي والمصارف، كما المساهمون والمودعون، بالإضافة الى الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة. هذا هو الحل الوحيد المتاح.