ثلاثة ملفات مالية واقتصادية وقانونية تجري متابعتها على المستويين الشعبي والرسمي في هذه المرحلة، تتعلق بالتدقيق الجنائي، وقف الدعم واستبداله ببطاقات تمويلية وقانون الكابيتال كونترول. ما هو المسار الذي تسلكه هذه الملفات؟ هل من معطيات جديدة، ومتى ستصل الى خواتيمها المجدية؟
لم تكن تغريدة رئيس الجمهورية ميشال عون والتي تحدث فيها عن «إستحقاق زمني لتسليم مستندات ووثائق مصرف لبنان لشركة التدقيق المالي الجنائي... نحن والشعب اللبناني نرصد، والمسافة أيام»، مُستغربة من حيث المضمون، ما دام الرئيس يعلّق أهمية خاصة على هذا الملف، ويعتبره أولوية قصوى، لكن المُستغرب هو التوقيت. كثيرون لم يعرفوا انّ التغريدة جاءت بعد اقل من 24 ساعة على اجتماع تقني عُقد بين وزارة المالية ومصرف لبنان وشركة «ألفاريز»، في حضور مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان كريستال واكيم، المحسوبة سياسياً على فريق العهد. وكان الاجتماع ايجابياً لجهة الاتفاق على آلية نقل المعلومات، وهي اجواء يُفترض ان تكون واكيم قد أحاطت دوائر قصر بعبدا بمضمونها، خصوصاً انّها تتولّى شخصياً عملية نقل المعلومات من المركزي الى المالية ومنها الى «ألفاريز».
في كل الاحوال، الامور ماشية بالنسبة الى عملية نقل المعلومات، لكن ذلك لا يعني نهاية المطاف، اذ ينبغي التنبّه الى انّ «ألفاريز» سبق وأنهت عقدها مع الدولة اللبنانية في تشرين الثاني 2020، وبالتالي، من غير الواضح بعد اذا ما كانت ستوافق على إعادة إحياء العقد القديم بلا شروط جديدة. والتفاوض في هذا الشأن لم يبدأ بعد، ولو انّ وزارة المالية تشعر بوجود ايجابيات حيال تعاطي الشركة مع هذا الموضوع، لكن ذلك لا يعني انّ الموضوع محسوم، وبالتالي لا تزال الطريق الى التدقيق طويلة وليست مسألة ايام.
في موضوع الكابيتال كونترول، الذي أثار الكثير من الجدل فور الإفصاح عن مضمونه المبدئي، لا يبدو أنّ ما يُسمّى عملية إنصاف المودعين لجهة رفع سعر السحب بالليرة من الودائع الدولارية واردة. وما قيل حول وجود قرار برفع سعر منصة السحب من 3900 الى 10 آلاف ليرة لتقليص الفارق مع السعر الحقيقي في السوق السوداء غير دقيق. قد يكون هناك من اقترح ذلك، لكن المؤشرات توحي بأنّ الاقتراح ساقط، ولو انّه يتضمّن مقابل رفع سعر السحب، خفض سقف السحب المسموح به لكل مودع، بحيث تبقى كمية السحب واحدة.
أخيراً، لا يزال موضوع ترشيد الدعم أو وقفه كلياً، بالتوازي مع إطلاق بطاقات تمويلية عالقاً. لكن الجديد في الموضوع، أنّ القرار السابق في أن يكون الدفع بالليرة تغيّر فجأة، وأصبح الدفع بالدولار. هذا التغيير الذي لم يُعلن عنه رسمياً حتى الساعة، لم يُعرف بعد ما اذا كان يستند الى مستجدات ايجابية تتعلق بالجواب القطري حول الموافقة على تمويل هذه البطاقات. وهناك تكتّم في شأن مصدر التمويل، ولو انّ هناك من يهمس بأنّ رئيس الحكومة المستقيل تلقّى اشارة ايجابية من القطريين، بأنّ قرار تقديم المساعدة قد يكون بمثابة عيدية الفطر السعيد في الايام القليلة المقبلة.
لكن، وبصرف النظر عمّا اذا كان تمويل بطاقات المساعدات قد تأمّن وبالدولار وليس بالليرة، تبقى مشكلة لوائح مَن قد يستفيد من هذه المساعدات هي الاساس. بالإضافة الى لوائح العائلات المحتاجة التي وافق عليها البنك الدولي، والتي سيتمّ تمويلها من قرض البنك، هناك ضرورة لتوسعة اللائحة لتشمل كل فئة الموظفين الذين سيتحولون الى محتاجين بعد رفع الدعم. ومن المستبعد ان تصدر اي لائحة مساعدات لا تشمل موظفي القطاع العام، لأنّ العسكر بكل فئاته يحتاج الى هذا الدعم. لكن السؤال، ماذا سيكون مصير موظفي القطاع الخاص، ونسبة كبيرة منهم أصبحت عاطلة من العمل؟ وهل في الإمكان التوسّع نحو دعم هذه الفئة ايضاً. واذا تمّ ذلك هل تُترك الفئات المتبقية مُهمّشة؟
انها اسئلة مُقلقة، تقود الى التشكيك في إمكان نجاح رفع الدعم في التوقيت المناسب، وهذا ما قد يُفسّر هدف الرسالة التي بعث بها دياب الى حاكم مصرف لبنان، والتي يطلب فيها رسمياً استمرار الدعم حالياً، وعدم وقفه آخر الشهر بسبب نضوب الاموال التي يمكن الإنفاق منها. فهل تكفي رسالة من رئيس حكومة مستقيل لتشكّل مستنداً قانونياً يستند اليه الحاكم لبدء الإنفاق من الاحتياطي الالزامي؟
الجواب المبدئي، الرسالة لا تكفي، والأمر يحتاج قانوناً من مجلس النواب. لكنها قد تكون بمثابة بدل من ضائع مؤقت، وعلى طريقة الكحل أفضل من العمى، بانتظار جهوز مشروع إطلاق الدعم المباشر بواسطة بطاقات التمويل. مع اشارة أخيرة، الى أنّ الأهم في التعاطي مع أزمات من نوع الأزمة التي يمرّ فيها لبنان، هو التوقيت (momentum). أي خطوة في توقيتها الصحيح تُساعد، وأي مشروع مهما علا شأنه، في توقيت خاطئ لا ينفع، بل قد يزيد الأضرار بدلاً من تخفيفها.