نُردِّد مع رسول الله (ص)، ونسبح ونُسبِّح في محراب علي (ع)، اللهم انصر من نصره، واخذل من خذله..
نتوزَّع في عينيك يا ابن أبي طالب ونمضي، كأننا والأمس لحظة ولُحيظة في دفتر الزمن.
فلا عجب، إن ردَّدنا بالقول "يا نصير المظلومين والفقراء" وما غادرناه، وبقينا واقفين على صخرة الولاية.
نصدح في أفعالك يا علي، مكتفياً من دنياك بطِمْريك، ومن طعامك بقرصيك، ومن مسكنك دون القصور، ثم نُسرع الخطى عائدين إلى قصور زينتنا، وفتنتنا، وقروشنا وكروش التخمة، ثم نبكي دم الشهادة، ولا نستسقي ماء الشهادة، لنشرب ماءاً معيناً من بحرك العذب الفرات، بأنَّ العدل دينك ودين محمد (ص) فننحاز إليه لننعم برحمته، ونقتبس به ما يرشدنا إلى حياة كريمة.
ما زلنا نردَّد بلا ملل، قد قُبضت عنك أطراف الدنيا، ووطئت لغيرك أكنافها، وزُويت عن زخارفها، وأنت الزاهد المتقشِّف، لا تأكل إلاَّ مأكلك الخشن، وإذا أكلت فلا تشبع، وأنك خرجت من الدنيا غير ممتلئ البطن في يوم من طعامين، وإذا شبعت من التمر لم تشبع من خبز الطين، ويمرُّ عليك هلال وهلال وأهلال، ولا توقد ناراً لخبز، ولا تستوقد لنار مرق الطبخ ونقولها بلا خجل، وأنت القائل: "أأبيتُ مبطاناً وحولي بطون غرثى، وأكباد حرَّى، ولعلَّ في الحجاز أو اليمامة، من لا عهد له بالشبع ولا طعم له بالقرص".
سيدي يا ابن أبي طالب، ما أجمل أن نكون صادقين مع أنفسنا ومعك وخلفك سيراً على صراطك، ونؤمن كما آمنت، بأنَّ خدمة الناس دلالة على التقوى، وأنَّ الوقوف بوجه الناهبين لأموالهم وأعراضهم وحياتهم، والسارقين لأعمارهم وجناهم ومستقبلهم، والظالمين لكراماتهم وعيشهم، إنه علامة على قوة الحق فينا..
نردِّد مقولتك يا أبا تراب ـ لو أنَّ دابَّة تعثَّرت فعليٌّ مسؤولٌ عنها ـ وما لنا ونحن بشراً نتعثَّرُ في كل يوم، والضمائر تستصرخ، والمآقي تتجمَّد، وعصي الدمع، ومات الوطن، وعصفت به الرياح من كل حدب وصوب، ولا نكلُّ يا علي من الوعظ، بقولك :"أأقنع من نفسي بأن يُقال أمير المؤمنين، ولا أشاركهم مكاره الدهر"؟!. ونحن نعي بأنَّ مكاره الدهر عندك يا أمير المؤمنين، تعني: مساوئ الفقر..
عذراً سيدي يا أمير المؤمنين، إن غفا حبري وخبا وهج جمر الحقيقة، وما زلنا نعاين كل الداخلين إلى مقابر البؤس والحرمان والفقر والجوع، ونحن نفصِّل أكفانهم، ونبني أحجار برازخهم، ونردم لحودهم، ولا نهتم بيومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلبٍ من تراب الفقراء ودماء الشهداء الأبرار.
سيدي يا علي (ع)، تعلمنا من مدرستك بأنَّ الإنسان أخو الإنسان، وأنَّ اللون والألوان والشعوب والقبائل، صبغة الله وصنعته، كي نتعارف ونبني جسور المحبة، فنتلاقى على الخير الذي تريده.
يا سيد الزاهدين وإمام المتقين، فأنت أنت، بحرٌ من ليالي القدر وبقية ماء، رسم فيك رسول الله (ص) وجهك، لننظر في مرآة صورتك، فيخضرّ ما حولنا من يباب في قلب، ويباس في تراب.