لطالما كانت "الشطارة" اللبنانية مدعاة تشاوف وإفتخار عند اللبنانيين، فتغنّوا بها شعراً ونثراً وغناءً، حتى وصل الأمر عند بعضهم لإعتبار "الشطارة" مهنة لا يتقنها إلاّ اللبناني. وعملية التشاطر هذه، لا يمارسها الأفراد وحسب، بل أصبحت نهجاً تعتمده أحزاب وجمعيات ومؤسسات وطبقة سياسية بكل تلاوينها، حتى بتنا أمام سلطة قائمة على التشاطر. والتشاطر هنا يعني الإحتيال والتذاكي.
فتجد التاجر يتشاطر على الزبون، والمواطن يتشاطر على القانون، والسياسي يتشاطر على الدستور وتفسير الدستور، ورئيس الجمهورية يتشاطر على رئيس الحكومة، ورئيس الحكومة يتشاطر على رئيس الجمهورية، والنواب يتشاطرون على الناخبين، ورئيس مجلس النواب أستاذ المتشاطرين. يتشاطر في تمرير القوانين، ويتشاطر في إفراغ مشاريع القوانين من مضمونها قبل إقرارها، كما حدث مع قانون السرية المصرفية وقانون إستعادة الأموال المنهوبة.
التشاطر لم يبقَ داخل الحدود وحسب، بل حمله اللبناني معه إلى بلاد الإغتراب، وإستخدمه حيث أمكن، فكان سبباً لنجاحه حيناً، ولإخفاقاته أحياناً.
وعلى الرغم من الوضع الكارثي الذي وصل إليه لبنان على كل الأصعدة، لا تزال الطبقة السياسية الفاشلة تحاول التشاطر على العالم كله، وتعتبر نفسها ما زالت قادرة على خداع العالم من أجل الحصول على الأموال دون القيام بإصلاحات حقيقية، ولم تنتبه هذه المنظومة الفاسدة بأن هذا المنتج اللبناني أصبح منتهي الصلاحية، ولم يعد صالحاً للتصدير والإستهلاك، لا في العالم العربي، ولا في العالم الغربي.
يرفض اللبناني المتشاطر الإعتراف بأن العالم تغيّر، وبأنه أصبح في مكان لا قدرة له على التشاطر والتذاكي كما كان يفعل بالسابق. أصبح لبنان مكشوفاً أمام العالم، والمنظومة الحاكمة أصبحت بنظر كل العالم عبارة عن مجموعة من السارقين الوقحين والفاشلين الذين حوّلوا بلدهم لدولة مارقة ومفلسة، على الرغم من وجود موارد بشرية وطبيعية في لبنان بالإضافة إلى موقع إستراتيجي تجعل منه بلداً غنياً.
تشاطروا على المبادرة الفرنسية، فأفشلوها، وأدخلوا البلاد في نفق مظلم وأفق مسدود.
تشاطروا على صندوق النقد الدولي، فعرقلوا المفاوضات معه، وأوصلوها إلى طريق مسدود.
يتشاطرون على العرب والغرب من أجل البقاء في مناصبهم، وإبقاء مزاريب الهدر والفساد تصب في جيوبهم، لزيادة ثرواتهم، وتمويل أحزابهم.
يتشاطرون للتهرب من الإنتخابات الفرعية، كمقدمة للهروب من الإنتخابات النيابية والبلدية وربما الرئاسية السنة القادمة.
ومؤخراً يحاولون التشاطر على السعودية التي إتخذت قراراً بوقف إستيراد المنتوجات الزراعية اللبنانية بعد إنكشاف شحنة الرمان الملغوم بحبوب الكبتاغون. فسارعوا إلى عقد إجتماع هجين في قصر بعبدا، ليس لديه أي صفة رسمية، وأصدروا بياناً إنشائياً لا يحمل أي إجراءات تنفيذية تعمل على الحد من عمليات التهريب، ولم يأتِ البيان على سيرة الحدود السائبة والمعابر غير الشرعية، بل إكتفى بالتملّق والكلام المعسول لإستدرار عطف السعودية، وهذا جزء من التشاطر القاتل، في التوقيت القاتل، الذي أوصل لبنان إلى هذا المستنقع الآسن.