مع استمرار الخواء الداخلي على وقع العجز عن تشكيل الحكومة، انتقلت الحيوية السياسية الى الخارج، وفي طليعته موسكو التي تستقطب السياسيين اللبنانيين خلال هذه الفترة من الوقت الضائع.
يصل رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل مساء غد الأربعاء إلى موسكو، على أن يبدأ في اليوم التالي لقاءاته مع المسؤولين الروس ومن ضمنهم وزير الخارجية سيرغي لافروف.
ولعل هذه الرحلة الخارجية لباسيل، مسبوقة باستقباله وزير الخارجية الهنغاري امس، ستشكل بالنسبة اليه فرصة للرد على مقولة خصومه بأنه بات معزولا او منبوذا على المستوى الدولي.
وقد أدى «القائم بأعمال» التيار الوطني الحر في روسيا ومستشار رئيس الجمهورية أمل ابو زيد دوراً في التمهيد السياسي واللوجستي لهذه الزيارة التي تأتي بعد زيارتين لبنانيتن تمّتا أخيراً الى موسكو: الأولى لوفد من «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد، والثانية للرئيس المكلف سعد الحريري.
ومن الواضح أن موسكو تولي في هذه المرحلة اهتماما زائدا للملف اللبناني المثقل بأزمتين كبيرتين، واحدة حكومية وأخرى اقتصادية، لكن هذا الاهتمام لم يرق الى حدود المبادرة المتكاملة التي لا تتوافر كل شروطها و»موادها الاولية» لدى الكرملين.
وللمناسبة، فإنّ الروس لم «يقبضوا» في قرارة أنفسهم المبادرة الفرنسية منذ ولادتها، ولم يتوقعوا اساساً نجاحها، ولذلك ليسوا متفاجئين بالمصير الذي انتهى اليه «اللقاح السياسي» الفرنسي المخصص للبنان، بعد أشهر من «التجارب السريرية»، فهم يجدون انّ باريس او أوروبا غير مؤهلة لصنع الحلول، ولديهم اقتناع بأن التفاهم بين موسكو وواشنطن هو الممر الطبيعي، ويكاد يكون الالزامي، الى التسويات الإقليمية والدولية.
الاولوية الاستراتيجية لدى الروس في المنطقة تبقى سوريا حتى إشعار آخر، وبالتالي فهم يطلّون على الساحة اللبنانية من نافذة ارتباطها بالواقع السوري وتأثيرها عليه، ولذا يهمهم ان تظل تلك الساحة مستقرة بالحد الأدنى الممكن وان تُمنع من الانزلاق الى الفوضى الشاملة التي قد يصعب التحكم بها ومنع تمدد مفاعيلها الى الجوار.
إنطلاقاً من هذه المقاربة، تحاول موسكو توظيف وزنها ونفوذها في اتجاه دفع القوى السياسية اللبنانية الى التعاطي بمرونة مع المأزق الحالي، وصولاً الى تسهيل عملية تأليف الحكومة التي لا تزال تريدها برئاسة الحريري، ومن ثلث معطل لأحد، وبعضوية اختصاصيين.
واذا كان الروس يتفقون مع الحريري على معظم مواصفات الحكومة الجديدة، الا انهم يتمايزون عنه في مسألة عدد اعضائها، وهم نصحوه بألا يتوقف عند الرقم 18 حصرا، إذ لا مانع من وجهة نظرهم في أن تضم 20 او 22 او 24 وزيرا أو حتى اكثر من ذلك اذا لزم الأمر، كما ينقل العارفون.
اما دعوة باسيل تحديداً إلى زيارة روسيا فتنطلق، وفق مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع، من الاعتبارات الآتية:
- رفض موسكو مبدأ عزل اي طرف لبناني، خلافا لما يفعله الغرب احياناً.
- إصرار الروس على أن تكون علاقاتهم متوازنة مع المكونات اللبنانية وحرصهم على عدم إعطاء أي انطباع بأنهم يستقبلون ممثلي المسلمين فقط.
- توجيه رسالة واضحة مفادها أن موسكو لا تعترف بالعقوبات الأميركية «غير الشرعية وغير المحقة» على باسيل امتداداً لموقفها المبدئي المعترض على العقوبات التي شملت سوريا وايران، وايضا روسيا نفسها، علماً انّ الكرملين كان قد أعطى إشارة مماثلة عبر استقبال وفد «حزب الله» الذي شجع بدوره على الالتقاء بباسيل والاستماع الى مقاربته للامور.
وتنقل المصادر الديبلوماسية عن نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس فلاديمير بوتين الى الشرق الأوسط ودول أفريقيا ميخائيل بوغدانوف تأكيده انّ لافروف قرر الاجتماع بباسيل «بعد تأكيدات وصلتنا بأنّ رئيس التيار الوطني الحر سيُبدي مرونة وسيقدم تسهيلات في الملف الحكومي، ثم إن الرجل هو رئيس اكبر تكتل نيابي مسيحي ولا يمكننا أن لا نستقبله».
ويروي المطلعون ان احد الأصدقاء اللبنانيين لبوغدانوف سأله: هل صدقتم انّ باسيل سيكون مستعداً للتنازل من البوابة الروسية ؟. ستأكلون الضرب!».
واللافت عشيّة مغادرة باسيل إلى موسكو، أنّ بوغدانوف موجود في باريس حيث يُتوقع ان تكون الازمة اللبنانية إحدى مواد البحث بينه وبين المسؤولين الفرنسيين، علماً أنّ هناك تنسيقاً كذلك بين روسيا من جهة ومصر ودولة الإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى.