منذ اندلاع ثورة السابع عشر من تشرين 2019 حتى اليوم ، لم تبدل المساعي الداخلية والتدخلات الخارجية المبذولة من اكثر من جهة ودولة ، في صورة الوضع المأسوي القائم في البلاد الذي يزداد مع انقضاء كل يوم تفاقما، سواء على الصعيد السياسي المتصل بتشكيل حكومة توقف التدهور الحاصل وتمهد الطريق امام انقاذ البلاد من المصير الاسود والمحتوم الذي يتهددها أو المالي الذي ينذر بالجوع أن لم يتم تداركه سريعاً سيما وأن مؤشراته بدأت تتجسد واقعا على الارض من خلال ارتفاع معدلات الجريمة والسرقة التي ترتكب يومياً في وضح النهار، أو تعارك المواطنين داخل السوبرماركات للحصول على كيس أرز أو سكر أوليتر زيت يباع بالسعر المدعوم .حتى ان زيارة مساعد وزير الخارجية الاميركية السفير ديفيد هيل لبيروت لا يبدو انها حققت المأمول منها خصوصا لجهة اخراج تشكيل الحكومة من عنق الزجاجة العالقة فيها على ما يقول ويؤكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن الازمة كما حلها هما من عندياتنا. لذا ان زيارة السفير هيل لم يكن لها هذا التأثيرعلى الواقع اللبناني ،على الرغم من انها احتلت ، حيزا لافتا من الاهتمامات والمتابعات، كما والتساؤلات، وقد امضى يومين، برفقة السفيرة شيا، حافلين بزيارات العديد من المسؤولين والقيادات السياسية والحزبية، وقد تساءل كثر عن الهدف من الزيارة وتوقيتها واسباب عدم ادلائه بتصريح او بيان بعد زيارته القصر الجمهوري، بخلاف ما حصل بعد زيارته عين التينة، وهل هي زيارة وداعية، على ما قال، ام انها ترمي الى اهداف من السابق لاوانه البوح بها.
كما يبدو بأن الملفات الدولية باتت مرتبطة بعضها ببعض بانتظار الانفراجات في محادثات فيينا بحيث يمكن ان ينعكس ايجابيا على اخراج الحكومة العتيدة .
إقرأ ايضا : طيف الحرب الاهلية اللبنانية
مهما كانت القراءات والنتائج ، فإن الجميع يقر على ان الدولة الاقدر بين دول العالم لن تترك الساحة اللبنانية، ملعبا لسائر اللاعبين عليها، خصوصا مع العودة الى ترسيم الحدود البرية والبحرية جنوبا مع اسرائيل. وشمالا مع سوريا، حيث تكمن ثروة نفطية بالغة الاهمية، وهي ترى ان الوفود الدولية المتواصلة الى لبنان، الذي يعاني سلسلة ازمات، تتوزع بين السياسة والمال والاقتصاد، وفي مقدمها انجاز تشكيل حكومة، تنظر الى لبنان نظرة الموقع الاستراتيجي البالغ الاهمية والدور الذي يمكن ان يقوم به على المستوى الاقليمي، وقد قالها. هيل، وبصريح العبارة ان الولايات المتحدة، وشركاؤها الدوليين قلقون للغاية ، ازاء الفشل في لبنان، في اطلاق برنامج الاصلاح الحاسم، الذي طالما طالب به الشعب اللبناني، وهي حاجة طال انتظارها .
تحضر مسألة تشكيل الحكومة، وذلك بالتقاطع مع المبادرة الفرنسية التي بقيت منذ انطلاقتها في اب الماضي اسيرة التمنيات، ولم تبصر النور بعد، وقد راحت باريس بعيدا في تهديداتها معرقلي التشكيل، والرئيس الفرنسي ايمانويل. ماكرون، لايزال ينتظر موقف وجداني لدى اركان الطبقة السياسية اللبنانيين تساعد على انجاز تأليف حكومة مهمة، في هذا البلد ، من اختصاصيين واصحاب كفاءات وغير حزبيين في اشارة لافتة لحجب المشاركة عن حزب الله وعن جبران باسيل، المعاقب اميركيا.
وقد طفح الكيل جراء ما حصل، وقد اصبح الوقت ضيقا جدا، ولا دخان ابيض، حيث رفعت باريس يافطة العقوبات لمعرقلي التشكيل، وقد تزاحمت اشارات العاصمة الفرنسية في وضع سلة العقوبات بحق المعرقلين قيد التنفيذ، والجميع ينتظر ما سيصدر عن الاليزيه او وزارة الخارجية الفرنسية، وهي التي ما كانت ترغب في بلوغ هذا الحد، لولا ما اسمته التعنت الذي لمسته من جانب بعض المستويات السياسية والرسمية في لبنان التي غلبت مصالحها السياسبة والحزبية، وتجاهلت، عمدا، الفرصة الذهبية التي تتيحها المبادرة الفرنسية لاخراج لبنان من ازماته الصعبة، واخلت بتعداتها التي قطعتها للرئيس ماكرون، بالالتزام بالمبادرة وتشكيل الحكومة وفق مندرجاتها، فماذا بعد، والاتي على الابواب.
ختاماً بعد زيارة هيل لا بد من مراقبة ما اطلقته من مسار ديبلوماسي جديد، لا بد من ان يترجمه اصدقاء لبنان في الايام المقبلة ومواكبته للتثبت من جديته ومدى اندفاعه.
من خلال ما تقدم، يتبين بوضوح، ان لعبة تبادل الأدوار في تعطيل تشكيل الحكومة مستمرة، الى ان تفضي المفاوضات الأميركية الإيرانية حول النووي الإيراني، أمرا كان مفعولا.
وهكذا سيبقى المشهد في لبنان مرتبط بالمشهد في سوريا والعراق واليمن وبنتائج المفاوضات الامريكية الايرانية .