قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عندما دُلّي زيد بن ثابت في قبره: "من أراد أن يشهد ذهاب العلم، فهكذا ذهابه، لقد دُفنَ اليوم علمٌ كثير" واليوم برحيل العلامة الجعفري القاضي والشاعر والمناضل العروبي، والرجل الوطني السيد محمد حسن الأمين يرحل معه علمٌ كثير، وأدبٌ جمّ، وهمّة عالية، ونبضٌ قوميٌّ صادق، وحِسٌّ وطنيٌّ مُرهف، لقد خلّف غياب السيد محمد حسن الأمين في الوسط الشيعي ثلماً في مسيرة هذه الطائفة المتروكة اليوم بين أيدي "علماء دين" هجروا العلم والتقوى والإعتدال والفُتيا والزهد والعمل الخالص للآخرة، لينشغلوا بمهاوي السياسة والتّحزّب والتطرف، والإنغماس بشؤون الدنيا وزخرفها ونقائصها.
ستبقى ذكرى الراحل السيد محمد حسن الأمين عطِرة خفّاقة ومُؤثّرة في ذاكرة الأجيال القادمة، بالتراث الشعري الذي صدر عن حناياه كشاعرٍ مُرهفٍ أصيل، وأديبٍ مُلتزمٍ بقضايا قومه وشعبه وأبناء وطنه، وسيحفظ له التاريخ وقائعَ مجيدة في سِيرته، وكان قد قُيّض لي أن أطّلع على نبذتين منها، وهي نذرٌ يسير من سيرته الذاتية العامرة بالنضال والإقدام والبذل.
إقرأ أيضا: أصابت امرأة وأخطأ عُمَر، أصابت فائزة رفسنجاني وأخطأ آيات الله.
كانت النبذة الأولى في بلدة ديركيفا (البلدة التي أحبّها وسكن في ربوعها) عندما أمر قارئ عزاءٍ أن ينزل عن المنبر الحسيني، وهو يتلو السيرة الحسينية ما إن همّ بالتّعرض والطّعن بسيرة الصحابيّين الخليفتين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، فامتثل الرجل فوراً، لِما كانت للسيد الأمين من مهابة وتقوى ومصداقية، وبعدها قام عريف الحفل، كما أخبرني باستكمال البرنامج التأبيني، وقام الرجل بعد ذلك بزيارة السيد الأمين الذي طيّب خاطره، وأسمعهُ ما يلزم من نصائح رعوية وأبويّة. النبذة الثانية: كما أخبرني بها أحد سادة آل الأمين، أنّ السيد الأمين كان حاضراً لحفلٍ تأبيني في بلدة شقرا الجنوبية، جالساً في الصّف الأمامي مع ثلّةٍ من وجهاء آل الأمين، ومن بينهم ما لا يقلّ عن أربعة أو خمسة مُعمّمين من آل الأمين، وعندما بدأ قارئ العزاء عظته الدينية، وراح يخبط خبط عشواء لعدم أهليته للوعظ الديني، طلب منه السيد محمد حسن الأمين أن يتوقف عن الكلام، سائلاً له: أتُحسن قراءة السيرة الحسينية، فأجاب بنعم، فقال له: إذن اقرأها، وأنصحك بالإقلاع عن الوعظ والإرشاد، وأن تتركه لأهله المُكلّفين به.
الشيئ بالشيء يذكر، يقول وضاح شرارة في كتابه "دولة حزب الله" أنّ علماء الدين الجعفريين في النجف الاشرف، كانوا في أوائل القرن العشرين عندما يمنحون طالب العلم شهادة "العالِمية"، ويأنسون في صوته حُسناً ورخامة، يُجيزون له قراءة السيرة الحسينية، أي أنّ قارئ العزاء يجب أن يكون مؤهلاً للوعظ الديني مُسبقاً.
في جنان الخلد يا سماحة السيد محمد حسن الأمين، قال الشاعر:
لو أنّ المنايا تُخطئُ المرء مرّةً
لكُنتَ جديراً أن تظلّ مُخلّدا
فيا حسرةً ألاّ أراك بناظري
ويا لوعتاه أن تألف القبر مرقدا.