كنا ننتظره أن يعود، لكنه سبقنا، فقد خذله الموت وأفجعنا، كنا نتتظره الأب الحنون والناصح الأمين والمفكر الفذّ والاديب العريق والسياسيّ العتيق، لكنه رحل بهدوء يشبه هدوءه، رحل بصمت مدوٍّ يشبه صمته المدوّي، وقد ملأ أسماعنا وقلوبنا وعقولنا بشتى أنواع الفكر والحكايات والمفاهيم، حتى تعلمنا منه كيف نفكر وكيف نحاور وكيف نحب وكيف نعارض، كان مدرستنا التي شكلت ملاذا آمنا في زمن الفوضى، فوضى الفكر، وفوضى السياسة، وفوضى النصوص، وفوضى الاخلاق.
العلامة السيد محمد حسن الأمين سليل العترة الطاهرة، كنا ننتظره فنستلهم العبر وكنا نلتقيه فنستشعر الأمان والصلابة والاستقامة والقوة، قوة الفكرة والموقف في زمن التحولات الكبرى.
العلامة السيد محمد حسن الأمين نفتقده اليوم كأحد أبرز رجالات الفكر على المستوى العربي والاسلامي، ونخسره نحن اللبنانيون كحالة استثنائية تتخطى المذاهب والمواقف والاصطفافات، لتكوّن حالة لبنانية فريدة منفتحة على كل الساحات والاطياف والطوائف بالكلمة الأبوية الراعية والواعية والحريصة والمخلصة، وقد كرست هذه الحالة ركيزة الحوار والمحبة والتلاقي كركيزة أساسية بل وحيدة في مجتمعنا المفتوح على جراح الفتنة والطائفية والبغضاء، وقد شكل العلامة الأمين شبكة الامان والإيمان ببناء وطن خارج معادلات الصراع، الوطن القائم على الحب والعدالة والتسامح والمساواة.
وإننا إذ نودع العلامة الأمين اليوم فلن نقول إلا ما يرضي ربنا لكن العزاء باستمرار الفكر والنهج والرؤى التي آمن بها العلامة الأمين وسعى لتحقيقها، والعزاء أنه العالم الكبير الذي سيبقى منارة من منارات لبنان وجبل عامل والجنوب على مر العصور .
وقد كتب سماحته:
"الموت ليس إنحناءً إنه سفرٌ
أبهى وبرقٌ وراء العمرِ مدّخرُ
الموت موجة سحْرٍ وارتحال دمٍ
في دهشةٍ ومدى بالحلم يُبتكرُ
وقامة لكَ راح الضوء ينقشها
فوق الخلود فيجلوها وينكسرُ"
إننا نتقدم من اللبنانيين جميعا ومن أسرته وأبنائه ومحبيه بأحر التعازي والمواساة سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته .
إنا لله وإنا إليه راجعون