بعد الدعوة الى زراعة الشرفات، وبعد الحديث عن التوجه شرقا مع العلم بتعثر هذا المطلب، وبعد الكلام عن الكهرباء الايرانية المترهلة اصلا والتي دخلت هي نفسها بالاتفاقية الايرانية الصينية من أجل صيانتها، بعد كل هذه الشعارات الفضفاضة بحلول وهمية لأزمات خانقة، أطل علينا "حل" هو أشبه ما يكون بالحلول السابقة مع جهود حزبية كبيرة وبروبوغاندا اعلامية ضخمة سرعان ما سوف يُكشف النقاب عن خوائها.
هذا "الحل" العظيم هو عبارة عن بطاقة ممغنطة اطلق عليها تسمية "بطاقة السجاد"، تخول حاملها بعد التقدم بطلب للحصول عليها من أحد "المجمعات" للاستفادة من بعض الحسومات على بعض السلع ( معظمها اما ايراني واما مدعوم اصلا ) ضمن فترة 30 يوما ولها مبلغ أقصى عبارة عن حوالي 300 الف ليرة.
هذا المجهود الضخم كما جاء في بيان الترويج الحزبي ( طاقم تشغيلي كبير- نقاط بيع "سوبرماركات" – مخازن – خطوط تأمين البضائع!! – استصدار البطاقات .... )، الذي بذله حزب الله على هذا المشروع، كنا لنعتبره انجازا او فلنقل"انتصارا" يضاف الى سلسلة الانتصارات الحزباللهية التي لا تنتهي، لو ان من يقوم به مجموعة مدنية، أو جمعية خيرية، أو حتى حزب سياسي معارض لا علاقة له بالسلطة وغير مشارك وممسك بتلابيب الحياة السياسية والاقتصادية بالبلد
كنا لنتطلع الى هذا المشروع بنظرة استحسان وكنا لنصفق له بكل موضوعية ( كما صفقنا لوزير الصحة في المراحل الاولى لتعيينه )، لو اننا وجدنا فيه خيرا للبنان واللبنانيين أو حتى لفئة محددة منهم.
وقد يسأل متسائل هنا، كيف لا تجد بمشروع يتسم "ظاهرا " بالعمل الانساني ويبغي مساعدة الناس الفقراء خيرا؟؟ أقول : انه حتى عمل الخير اذا لم يكن في الزمان المناسب والمكان المناسب فلا يتسم ( حتى قرآنيا ) بالعمل الصالح (وعملوا الصالحات)، فليس كل عمل "خير" هو عمل "صالح"
فحل الازمة الاقتصادية التي تضرب لبنان، معروف سببها ومسببها ومن يقف خلفها وأمامها وعن شمالها ويمينها، وهو باختصار شديد هذه الطبقة السياسة الفاسدة التي نهبت المال العام وعاثت ولا تزال في البلاد خرابا وسرقة وصفقات، وبالتالي فإن الحل "الصالح" هو حصرا وتحديدا باقتلاع هذه الطبقة السرطانية من جذورها وليس حمايتها واحتضانها والتحالف معها
فمن المؤكد أن حزب الله غير الراغب بالتوجه الى أي عمل إصلاحي حقيقي، والحريص كل الحرص على حماية وأبقاء أصل الازمة بالبلد هو يحاول من خلال "بطاقة السجاد" ان يمتص نقمة الشعب وان يستثمر بجوعهم وفقرهم وان يظهر بمظهر خادع على انه هو من "يطعمكم من جوع ويأمنكم من خوف" فبسلاحه "يحمي" وب "سجاده" يطعم، فلا حاجة حينئذ لا للدولة اللبنانية التي يعمل هو على المزيد من اهترائها، ويساهم مساهمة ضخمة في تهافتها.
هذا في المضمون، يبقى في الشكل ايضا، فالامام السجاد عليه السلام الذي سميت البطاقة بإسمه، هو الامام الرابع من ائمة الشيعة علي بن الحسين، وكان معروفا عنه تصدقه ليلا على الفقراء حتى انه وبحسب المرويات الشيعية فإن الفقراء لم يكونوا يعرفوا مصدر الصدقات التي توضع على ابوابهم في جوف الليل، الا بعد أن توفى الامام، فانتحال اسمه والعمل على عراضات اعلامية ونشر الصور فيه اساءة موصوفة للامام نفسه،واستغلالا مذهبيا مقيتا تماما كشعار "لن تسبى زينب مرتين" لتحقيق اهداف بعيدة كل البعد عن مضامين الاسم! هذا اولا.
إقرأ أيضا : دفاعا عن المشرّع اللبناني
وثانيا، لو افترضنا ان هذه البطاقة، استطاعت ان تؤمن للعائلة 5 علب فول و4 كيلو رز وغالون زيت بسعر مقبول، فهل هذه هي متطلبات الحياة الكريمة! وماذا عن باقي الضروريات ( كهربا – بنزين – مياه – مدارس – جامعات – لحم – خضار – فواكه- قطع غيار ... )
في الختام لا بد من القول ان الخيارات السياسية التي انتهجها حزب الله، محليا ( حماية الطبقة الفاسدة – فرض ميشال عون وصهره ) او اقليميا (معاداة العرب والمجتمع الدولي والدول المانحة ) هي ما اوصلنا الى هذا الحضيض، وان الابقاء على هذه الخيارات وفرضها بقوة السلاح على الشعب اللبناني وبالتالي سجنه داخل شرنقتها العفنة، يعني المزيد من الانحدار وذهاب البلد الى جهنم والزوال ، واصرار الحزب على الهروب الى الامام لتفادي الاصلاح الحقيقي وتعنته بالوقوف في وجه الناس المنتفضة وإخضاعهم،فيه المزيد من اطالة امد سجن هذا الشعب واذلاله،فمن الافضل حينها بان تسمّى هذه البطاقة الهزيلة "ببطاقة السجاّن"، لانها تذكرني تماما بفترة الاعتقال بمعتقل انصار حيث كان هنالك ايضا لكل سجين رقم وله حصة تمونية .