لم يعد خافياً جموح ​دول الخليج​ لتطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي بعد حملة التهليل الفاقعة والخارجة عن السياق التاريخي للصراع العربي الإسرائيلي، والترويج إلى فوائد التطبيع الأمنية والاقتصادية المنتظرة للمنطقة كما صرح وزير الخارجية السعودي «فيصل بن فرحان» لشبكة السي إن إن الأميركية حيث قال: «إن التطبيع مع «إسرائيل» فوائده هائلة للمنطقة على جميع الأصعدة وتحديداً الأمنية والاقتصادية».


وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية والأمنية لكل من مصر و​الأردن​ المطبعيّن مع العدو الصهيوني، نكتشف أن التهليل السعودي لفوائد تطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي لا يعدو كونه أكاذيب تكشفها حقائق.

مصر التي وقعت في ​كامب ديفيد​ اتفاق سلام مع العدو الإسرائيلي عام 1979 ظل شعبها محروماً من اللبن والعسل الذي وُعِدَ به قبل 42 عاماً ولم يزل يعاني من الفقر والعوز، أما الدولة المصرية فتجدها مهددة بأحد أهم ركائز السيادة المصرية، أي بانخفاض منسوب ​نهر النيل​ بسبب دعم العدو الإسرائيلي ل​إثيوبيا​ في بناء ​سد النهضة​ ما سبب تراجعاً ملحوظاً على صعيد المياه والإنتاج الزراعي الاقتصادي والصناعي في مصر، إضافة إلى وضع أمني إقليمي متوتر في ​ليبيا​ و​السودان​ ناهيك عن إرهاصات ما سمي ب​الربيع العربي​ ذات الصناعة الأميركية الإسرائيلية.

أما الأردن الموقّع على اتفاق سلام وتطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي منذ العام 1994 فتراه اليوم وبعد مرور 27 عاماً على توقيع اتفاق وادي عربه يرزح تحت وطأة الضغط الاقتصادي والمالي الهائل ويعاني من شح المواد النفطية وشبه شلل وعجز في الدولة جراء ​الفساد​ المستشري في مفاصلها إضافة إلى عدم الاستقرار الأمني والسياسي.

وإذا نظرنا بتمعن إلى واقع الحال في كل من مصر والأردن الدولتين المطبعتين مع العدو الإسرائيلي لاكتشفنا مدى التضليل الإعلامي الذي تمارسه ​السعودية​ بالترويج للفوائد الأمنية والاقتصادية من عملية التطبيع مع العدو الصهيوني، وبشكل يوحي أن لا أمن ولا اقتصاد في المنطقة إلا بعد القبول بالتطبيع مع العدو الإسرائيلي.
إذاً الموقف السعودي بات واضحاً من تطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي ولو أنه بدا متلطياً خلف شرط إقامة دولة ​فلسطين​ية مستقلة.

إن إعلان الأردن عن تنفيذ حملة اعتقالات لشخصيات سياسية وعسكرية وازنة في المملكة الأردنية الهاشمية بعد اتهامهم بالتواصل مع أجهزة مخابرات خارجية لتنفيذ انقلاب ضد الملك الأردني عبدالله الثاني، يثبت بالدليل القاطع أن ما من بلد عربي قَبِلَ بتطبيع علاقاته أو بإبرام اتفاق سلام مع العدو الصهيوني يمكنه ضمان أمنه واقتصاده ولا حتى تقدمه العلمي والصناعي والتكنولوجي.

بقي الأردن ضمن دائرة الاستهداف المباشر للعدو الإسرائيلي وخصوصاً بعد الإعلان عن رفضه ​صفقة القرن​ التي تهدد وصايته التاريخية على الأماكن المقدسة في فلسطين، كما أن الصفقة بمضمونها تشكل عاملاً سلبياً يهدد الأردن وكيانه كدولة مستقلة ناهيك عن اعتماده في دوائر القرار الأميركي الصهيوني كدولة بديلة للفلسطينيين، الأمر الذي جعل من الملك عبدالله الثاني عقدة فهو كأداء يجب استبداله عبر انقلاب من الداخل وإيلاء الحكم لوجه جديد يحظى بمكانة ضمن العائلة، وذلك بهدف تعبيد الطريق أمام تنفيذ صفقة القرن وطي صفحة ​القضية الفلسطينية​ كما خططت دوائر الدولة العميقة في ​أميركا​ بالاشتراك مع دوائر ​الموساد​ الإسرائيلي تاركين مهمة التنفيذ وشراء الذمم لدول الخليج المروجة للتطبيع مع محتل فلسطين العربية.
امتناع العدو الإسرائيلي عن إصدار بيان تضامن مع الحليف المفترض الملك الأردني عبدالله الثاني واعتبار الأحداث والاعتقالات شأناً أردنياً داخلياً خير دليل على تورط دوائر العدو بأحداث الأردن الأخيرة وربما اللاحقة.

لقد بدا واضحاً أن ما من بلد عربي يمتلك مقومات الحفاظ على الإرث التاريخي والحضاري وعلى السيادة الوطنية إلا ويكون ضمن دائرة الاستهداف المباشر للعدو الإسرائيلي.

إن ما يجري في ​العراق​ وسورية و​لبنان​ مختلف جداً حيث تجري حرب تطبيع من نوع جديد تُستَغل فيها المطالب الشعبية المشروعة لتحقيق أهداف غربية غير مشروعة.

ما يسمى بالمنظمات المدنية غير الحكومية NGO›S منها المدعومة من «الأمم المتحدة» وبسخاء مالي ومنها مدعومة من جهات استخباراتية مجهولة تعمل على مدار الساعة وبجهد لافت على تحقيق برامج جاهزة تحمل عناوين براقة تجلب انتباه المواطنين كالحرية و​حقوق الإنسان​ وحقوق المرأة والديمقراطية والبيئة، كما أنها تعمد إلى تنفيذ مشاريع إنمائية تحت مظلة ​منظمات المجتمع المدني​ وبمعزل عن الدولة المركزية.

إن خطر تلك المنظمات غير الحكومية كونها استطاعت التغلغل في المجتمعات وتشكيل ألوية صامتة منتهزة حال تفكك الدولة والفوضى العارمة متخذة من مطالب المواطنين المشروعة ذريعة لتنفيذ أهداف تسهم في تفكيك ارتباط المجتمع بالدولة وجعله مجتمعات انعزالية تتكل على مساعدات خارجية مجهولة المصدر لكنها معروفة الأهداف.

إنها الحرب الجديدة التي تواجه الدول الرافضة للتطبيع في المنطقة والقائمة على زعزعة الأمن فيها وإثارة الفوضى، إفساحاً للاستثمار بالمطالب الشعبية، وذلك لتدمير مقومات الدولة وإنهاء ما يسمى بالأمن القومي العربي.
إن أي تطبيع للعلاقات أو توقيع أي اتفاق سلام مع العدو الإسرائيلي لن يكون إلا بمثابة انتحار صامت واستعمار صامت للدولة المطبّعة.

إن التصدي للاستعمار الصامت يفرض علينا البحث عن السبل الآيلة إلى منع المنظمات غير الحكومية NGO›S من تحقيق الاستثمار السياسي والاجتماعي عبر مطالب الناس المشروعة تماما كما هو حاصل في لبنان والعراق وسورية ولاحقاً في الأردن.

إن الانفتاح نحو البعد الجغرافي الطبيعي لبلادنا وَإِخْرَاج الحكومات مِن القطرية إلى التكامل الأمني الاقتصادي الإقليمي وإنشاء سوق إقليمية مشتركة بين سورية والعراق والأردن ولبنان تحت مظلة دول مجلس تعاون مشرقي كفيل بمنع الاستعمار الصامت من تحقيق أهدافه.