يمكن لأي مراقب للتحولات الكبرى التي مرت بها ايران أن يسأل السؤال البديهي وهو : ماذا بقي من شعارات الثورة الاسلامية فيها التي انطلقت منذ حوالي الأربعين عاما ونيف ضد الشاه ، ونادت بحكم الإسلام ؟ أو بعبارة أخرى ماذا قَدَّمَ " الإسلام السياسي " و " إيران الخمينية " من إضافات سواء في ايران أو على مستوى أي بلد في العالم وصل إلى سلطته الإسلاميون ؟ !
ونحن حينما كنا صغاراً ، ومع بدايات ما سُمِّي يومها ب " النهضة الإسلامية " التي سبقت انطلاق الثورة الايرانية ، صدقنا شعار الاخوان المسلمين "الاسلام هو الحل " وآمنا ( للأسف) بأن مشكلة المجتمعات الإسلامية وما تعانيه من أزمات إنما هو بسبب بعدها عن الإسلام ، وباللحظة التي سوف يتحقق فيها "حُلُم الأنبياء" وإقامة "حكم الإسلام" فإنَّ المشكلات سوف تتبخر والأزمات سوف تتهافت وسيعم العدل والرفاه والحياة الكريمة والسعادة الفردية والمجتمعية ! ! !
فأعقد الأزمات الإقتصادية التي يمكن أن تواجه المجتمع الإسلامي ، معالجتها وحلُّها سهل يسير ، فيكفي الرجوع الى كتاب " إقتصادنا " للسيد محمد باقر الصدر الذي كنا نعتبره من أعظم ما أنتجه العقل الإسلامي الحديث ، ليتبين انه مجرد أكذوبة لا علاقة لها لا بالإقتصاد ولا بمن يقتصدون .
- اما القضاء وترسيخ العدالة ، فإنَّ كتاب "تحرير الوسيلة" للخميني لها بالمرصاد ، وباب القضاء، فيه كل ما يحتاجه المجتمع من أحكام، ويكفي اللجوء إلى هذا الباب ليعم العدل وتنتشر العدالة، ويأخذ كل ذي حق حقه فلا حاجة بعد ذلك للنظام القضائي البلجيكي ( المعتمد أيام الشاه ) ولا للمحاكم والمحامين والإستئناف ومُدَّعِين عامّين وكل هذه الهرطقات ، ليتبين أيضا بأنَّ ما يُسَمَّى زوراً ب "القضاء الاسلامي" ما هو إلاَّ أُكْذُوبة لا تُسْمِنْ ولا تُغْنِي عن عدالة ، ما استوجب العودة للعمل بالنظام القضائي أيام الشاه وعليه تسير المحاكم في إيران الآن .
إقرأ أيضا : دفاعا عن المشرّع اللبناني
وبالعودة إلى السياسة ، فإنَّ الشعار الأبرز والذي عليه قامت الثورة الاسلامية كان "لا شرقية لا غربية جمهورية إسلامية" ليتبين هو الآخر أن هذا ما هو إلاَّ شعاراً صوتياً لا محل له على أرض الواقع مطلقا .
وصار الشعارُ " الى الشرق دُرْ " أي إلى روسيا والصين ، هو الشعار المعتمد لهذا النظام ، فبعد الإرتماء في أحضان الدب الروسي والتحالف معه والإعتماد عليه عسكريا خصوصاً في الحرب على الشعب السوري المظلوم ، وبعد أن فتحت ايران اجواءها وقواعدها للطائرات الروسية ، والتي استطاعت روسيا أن تمتص الثروة الإيرانية بصفقات بمليارات الدولارات مقابل شحنات الأسلحة وشراء النفط بأبخس الأثمان فكانت النتيجة بعد أن استنزفت الثروة الايرانية مزيداً من الفقر والجوع يعاني منها الشعب الإيراني ، وأكثر من ذلك فمصلحة روسيا اليوم هي طرد الوجود الايراني من سوريا بعد أن تحول هذا الوجود إلى حجر عثرة وعقبة كأداء أمام إعادة إعمار سورية .
وخصوصاً أنَّ الإقتصاد الروسي المُتهالك أصلاً يحتاج هو الآخر إلى من يسانده ويدعمه لتفادي الإنفجار الإجتماعي المُرْتَقَب في سورية .
هذا النظام في ايران ، الذي يئس من الإدارة الأميركية الجديدة فاستمر الرئيس جو بايدن بسياسة سلفه ترامب بالعقوبات المتشددة باعتبار أن الطيش الإيراني والأوهام التي يعيشها نظام الولي الفقيه كان يُخَيَّل إليه بأنَّ أميركا هي دولة محكومة كما إيران من أشخاص، يتبدلون فتتبدل سياستها ، ولم يدرك بأن الدول المتقدمة تتطلع دائما إلى مصلحة شعوبها أولاً وأخيراً .
لم يجد هذا النظام الإيراني مفراً ، ومن أجل ضمان استمراره ، إلا الإرتماء طوعاً في فم التنين الصيني ، وإبرام اتفاق اقتصادي معه قُدِّرَ بأربعة مئة مليار دولار ولمدة تتجاور العشرين عام .
لا يجب أن نبذل جهداً حتى ندرك بأن هذا الإتفاق هو حتما لمصلحة الصين وأنَّ إيران والشعب الإيراني المسكين سوف يدفع الثمن غاليا جدا ، فالصين التي يستهويها الإتفاقات مع الدول المتعثرة والمنهكة والمضطربة ، لم تقدم نموذجا واحدا على عكس ما ندعيه ، صحيح أن بنود الإتفاق هي بنود سرية إلاَّ أنه يكفينا أن نستعرض ما صارت عليه بلدان ارتمت هي الأخرى بهذا الفم المُتَغَوَّل كدولة سيرلنكا أو دولة المالديف أو كينيا أو باكستان أو بنغلادش وغيرها التي مَزَّقَهم فم التنين الصيني وبلع شعوبهم ، حتى نعرف جيدا ما ينتظر الشعب الايراني .