تدخل البلاد ابتداء من اليوم في عطلة الجمعة العظيمة والفصح المجيد لدى الطوائف المسيحية التي تتّبع التقويم الغربي، ولكن بَدا من المواقف أمس ان معظم القوى السياسية تتعامل بحذر شديد مع مبادرة بري خوفاً من إجهاضها، وقد تبنّت هذه القوى المثل الشعبي الذي لطالما استخدمه صاحب هذه المبادرة «لا تقول فول ليصير بالمكيول»، فيما لم يتأكد بعد ما إذا كان رئيس الجمهورية وافق على التخلي عن الثلث المعطل، وما إذا كان الرئيس المكلف سعد الحريري وافق على توسيع الحكومة، حيث ان الروايات على هذا المستوى ما زالت متضاربة، بين من يتحدث عن موافقة رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري، وان البحث انتقل إلى الأسماء، وبين من يضع الموافقة في إطار المناورات المتبادلة بين بعبدا و»بيت الوسط» لِرَمي كل منهما مسؤولية تعطيل المبادرة على الآخر.
ولن يطول الوقت قبل ان يُعرف مصير هذه المبادرة وفرص نجاحها، لأنها لا يمكن ان تبقى «لا معلقة ولا مطلقة»، إنما ستحسم في هذا الاتجاه أو ذاك، والأيام القليلة المقبلة ستحدد مصيرها، وهي تستفيد من اندفاعات مثلثة:
ـ إندفاعة دولية، وتحديداً أوروبية، وخصوصاً فرنسية، وصل بها الأمر إلى حد التلويح بالعقوبات على المسؤولين اللبنانيين في حال عدم تسريعهم في وتيرة التأليف، وذلك من أجل حضّهم على تجاوز العقد المصلحية نحو التأليف فورا، ولكن لا يبدو انّ العقوبات مقبوضة جدياً لدى هؤلاء المسؤولين الذين يتعاطون معها كموقف سياسي لن يجد ترجماته على أرض الواقع.
ـ إندفاعة سياسية جعلت معظم هذه القوى تدخل على خط الوساطة او الضغط على عون والحريري، من رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي كان أول المبادرين في الحديث عن ضرورة التسوية وزيارته القصر الجمهوري لهذه الغاية، إلى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي أكد في إطلالته الأخيرة انّ «البلد استنفد وقته وآن الأوان لإنهاء المأزق الحكومي».
ـ إندفاعة روحية أعادت من خلالها بكركي تشغيل محركاتها وتصعيد مواقفها في محاولة لتحقيق خرق حكومي طال انتظاره وعمل عليه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من دون الوصول حتى اللحظة إلى النتيجة المتوخّاة.
ومن غير المعروف بعد ما إذا كانت العطلة ستشكل مناسبة لمتابعة المبادرة بعيدا من الضوضاء والضجيج السياسيين، خصوصاً ان البلاد لا تحتمل استمرار الفراغ في ظل التدهور المالي المتواصل، وتراجع قدرة الناس وتحملها على الاستمرار.