كل المؤشرات تفيد أن زيارة وفد حزب الله الى موسكو ولقائه وزير خارجيتها سيرغي لافروف، لم تكن البتة لقاء بين حليفين، ولم تكن على مستوى ما حاول ويحاول إعلام الحزب تصويره مدعيا كما هي العادة بالنفخ والتبجيل بالدور الذي يلعبه الحزب بالمنطقة وتقديمه على انه قوة اقليمية وله حضور اكبر من لبنان ليتعداه الى المنطقة مما جعل دولة عظمى كروسيا تعترف وتقر بهذا الدور، وبالتالي فاللقاء هو ترجمة لهذا المعطى "المتوهم".
الموشر الاول، والذي له مداليل كبيرة وان كان بذاته يعتبر تفصيلا صغيرا بمشهدية الزيارة، هو ما سربه الاعلام الروسي لصور وصول الوفد الى مبنى الخارجية، في فان ركاب – تحت المطر – بدون أي استقبال
هذا التسريب المقصود من قبل الروس، فسره عارفون بطبيعة عمل الدوائر الروسية، انه يكشف وبشكل فاضح عن مكنون ما تضمره روسيا اتجاه الحزب، وطبيعة العلاقة الحاكمة بينهما، والقول بصريح العبارة ان روسيا لا تقيم وزنا للحزب ووفده، وبالتالي فإن الهدف من اللقاء لا يعدو اكثر من تبليغ رسالة من موسكو الى الحزب أولا والى ايران ثانيا وما على المبلّغ له إلا التنفيذ.
المؤشر الثاني، هو إغفال امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أي ذكر لهذه الزيارة، فلم يأت على ذكرها البته في كلمته الاخيرة، بالوقت الذي عودنا السيد أن يحوّل أي تواصل للحزب مع أي جهة خارجية باعتباره انتصارا عظيما وفتحا مبينا، وهزيمة نكراء لكل محاولات حصاره اميركيا واسرائيليا وعربيا بوصفه منظمة ارهابية بحسب توصيف هذه القوى، وهذا ما جرى مثلا بعد لقاء الاحزاب والزعامات السياسية مع الرئيس الفرنسي ماكرون في زيارته الاولى للبنان بعد انفجار 4 آب، فصورت الدقائق المعدودة التي منحها ماكرون لمحمد رعد وقوفا في إعلام الحزب وعلى لسان السيد على انها "حدث تاريخي" بحيث نسجت حولها الاقاويل والسرديات والقصص والتحاليل والتأويلات.
إقرأ أيضا : هل ضاق صدر السيد من جبران وعمه، فحرّك الشارع؟
فاذا اعتبرنا ان زيارة وفد الحزب الى موسكو لم تكن ناجحة ولم تكن تحمل ما يسر الحزب، فهذا يعني لهذه الزيارة من تداعيات هي حتما ليس كما قبلها إن على مستوى الجغرافيا السورية، حيث التواجد العسكري للطرفين هو الحاكم لطبيعة العلاقات بينهما، فضلا عن الخلاف المستحكم بالرؤية السياسية لطبيعة الحل المرتقب هناك، وهذا ما سوف ينعكس توترا إضافيا قد نشهد ارهاصاته في القادم من الايام إن عبر تكثيف الغارات الاسرائيلية على مواقع الحزب، او ربما مواجهات ميدانية ولو محدودة في المرحلة الاولى قد تتطور الى ما هو أعظم في المستقبل القريب اذا ما استمر الحزب في رفضه الانصياع لما قد ابلغ به في موسكو .
وهذا ينسحب بالضرورة ايضا على الساحة اللبنانية، التي كان لها حيز هي الاخرى من "الرسالة الروسية"، وما التصعيد ورفع السقف في لهجة السيد نصر الله الا رسالة جوابية موجهة بشكل اساسي لموسكو تحديدا وليس لبيت الوسط ولا للداخل اللبناني اصلا، وعليه فأنا اعتقد بأن لزيارة موسكو الفاشلة لها ما بعدها في سوريا ولها ما بعد بعد في لبنان، ولعل هذا المتغير الخطير هو ما دفع بوليد جنبلاط لزيارة بعبدا .