بعد مؤتمر الوزير السابق جبران باسيل بالأمس الذي ذكّرنا بطرحه شعار: صلابة..مرونة..إنتاج، بالشعارات القومية العربية والبعثية والماركسية التي طواها الزمن، وهجرها أصحابُها، من قبيل: وحدة..حرية..اشتراكية، وأمة عربية واحدة..ذات رسالة خالدة، وفلسطين حُرّة عربية، وشركاء لا أجراء، يمكن الإعتراف بأنّنا بتنا مجتمعاً فاقدَ الأهلية، وانحدر المجتمع دون المستوى البشري، أو كأنّ بشريته تناقصت حتى بلغت حدّ التّلاشي، والنّقص إنّما يعتري المجتمع اللبناني من باب "السياسة" بالذات، لأنّه بدون "السياسي" يظلُّ المجتمع "وحشيّاً" حسب تعابير إبن خلدون، أو دون "الفطرة" حسب تعابير الفقهاء، سواء منهم المتقدّمون أو المُتأخرون.
مع شعار باسيل الأخير الذي أطلقهُ بالأمس وسط "همروجة" إعلامية نسير حثيثاً إلى مستوياتٍ غير مسبوقة من "البدائية"، طالما أنّ صاحب أكبر كتلة برلمانية مسيحية، وأكبر كتلة وزارية وازنة، وصاحب الكلمة الفصل في القصر الجمهوري، منطقهُ بدائيٌّ جدّاً، كان الأنّاسون الأوائل يذهبون إلى أنّ البدائيّين لا يُعتبرون بشراً إلاّ بالمعنى المجازي، ممّا جوّز النقاش بين المرسلين المسيحيين والمستكشفين الأسبان حول جواز قتل الهندي الأحمر باعتباره مطعوناً في إنسانيّته، وكان الهنود الحمر يعمدون إلى تغطيس الأوروبي في الماء، عندما يقبضون عليه، للتّأكّد بالتجربة من أنّه إنسانٌ مثلهم، في حال اختناقه.
إقرأ أيضا : علي حسن خليل يُداوي آلام العسكريّين بالنخالة.
من يستطيع أن يطيق صبراً، ويستمع إلى ثرثرة وتفاهات باسيل، يدرك فعلاً مدى "الإنحطاط" الذي بلغهُ شعب لبنان العظيم، الذي لا يجد مندوحةً أمامه سوى الإضطرار إلى سماع شخصياتٍ تافهة، يتقدمها باسيل وأعوانه الذين لا يغيبون عن البرامج الحوارية في الإعلام التافه، أو قراءة مقالات وتحليلات مُغرضة، تنفثها صحافةٌ صفراء مُزيّنة بشعارات المقاومة والممانعة والقلم "الأخضر"، الذي يبسَ عودُه ولُوّن بالزّيف والعهر والدّجل.
يستحق جبران باسيل هذه الأيام بعض الشّفقة، فقد تزامن صعود نجمه مع أفول نجم لبنان، وعلى الرغم من ذلك، ورغم فداحة مآسي اللبنانيين هذه الأيام الحالكة، والتي تتفاقم يوماً بعد يوم، فهو لا ينكفئ ولا ينزوي خجلاً وخذلاناً، بل يُصرّ أسبوعياً( ويوم أحدٍ على ما يبدو)، إلى تظهير صورته الزائفة والكاذبة، والأغرب أنّها مُتعمّدة، ويرفقها دائماً بتزوير سياسي وأدبي فاضح، وهي لا تعدو التّرويج الفقير والغثّ لتاريخ عمّه الرئيس ميشال عون، الذي يصُحُّ فيه القول: لا هو حيٌّ يُرجى، ولا ميتٌ يُبكى.