لو خطَرَ، مُجرّد خاطر، في ذهن المُشترعين اللبنانيين الذين صاغوا دستور اتفاق الطائف عام ١٩٨٩، أنّه قد يأتي يومٌ على لبنان واللبنانيين، يتولّى فيه المناصب الرئاسية الثلاث ( رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب) مسؤولون يتخلّون عن أبسط مهامهم وواجباتهم، والتي تبدأ بصيانة الدستور والقانون والأعراف، بهدف صيانة الكيان والنظام اللبنانيين، لكانوا ربما اختاروا بلا تردُّد، تضمين الدستور مادة توجب ملاحقة كلّ من يعمل على تعطيل قيام المؤسسات الدستورية بتهمة الخيانة العظمى، ومُحاسبته أمام قضاءٍ جزائي، بلا تعقيدات أو عراقيل، ولعلّ أفضل ما يمكن التّدليل على وجوب هذه المحاكمة "الإفتراضية" ما نشهده هذه الأيام من عراكٍ "سوريالي" بين رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، فالدستور أناط برئيسٍ مُكلّفٍ من مجلس النواب تأليف حكومة جديدة، على أن يراعي وِفقَ الدستور التّمثيل الطائفي( والذي للأسف الشديد يُشاع بأنّه يحفظ التوازن الوطني)، فواجبه الدستوري يُلزمهُ بتأليف حكومة( من قرد وسعدان وفق المثل الشعبي)، ويتحمّل مسؤولية تصرّفاته وعواقبها، كما ينُصّ الدستور ويوجب على رئيس الجمهورية أن يُوقّع مرسوم الحكومة، ويتولّى إصدار المراسيم اللازمة لتفعيلها وإطلاق العمل المؤسساتي، وإحالة الأمر إلى مجلس النواب لمناقشة بيانها وإعطائها الثّقة أو حجبها، وهذا يقتضي بأن لا يتوقف أمام حُججٍ واهية وفارغة، يُطلقها مُنتفعون صِغار، ومُتسلّقو سلطة ومناصب، وصيّادو جوائز، وأنّ رئيس الجمهورية ليس "باش كاتب" يُوقّع دون تدقيقٍ أو تمحيص، ويوهمونه بأنّ موقعه "الطائفي" يوجب عليه التعطيل ما لم تُستجب مطالبه، كما أنّه لا يليق برئيس جمهورية أن يُطالب بحصّة من هنا وهناك ( والحجّة الخبيثة تبقى على الدوام حماية حقوق المسيحيين)، فرئيس الجمهورية ليس مُحاصصاً ولا مُرابعاً( المرابعجي هو الإقطاعي الذي يأخذ ربع المحصول من الفلاحين لقاء تقديم الأراضي الزراعية)، ولا مُحاسباً ولا صاحب منفعة، وأهم من كلّ ذلك يجب أن يحافظ على كيان الدولة وانتظام مؤسساتها، وأن يقوم بواجباته على أكمل وجه، ويترك لمجلس النواب محاسبة الحكومة ومراقبة عملها، لئلا تقع البلاد في هذه المحنة القاتلة التي تمرّ بها منذ أكثر من أربعة أشهر، حيث يتلهّى كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المُكلّف بخُزعبلاتهم ومحاصصاتهم ومنافعهم و"حقوق" طوائفهم وأنصارهم وأتباعهم، وثالثة الأثافي "حقوق" الصهر الذي بات منبوذاً دولياً بعد أن نُبذ داخلياً، وعلى رؤوس الأشهاد.
إقرأ أيضا : بكركي الحائرة بين السيادة الوطنية والاستقلال والمهادنة والحوار