التقارب الاوروبي - الامريكي وعزل روسيا :
انطلقت أعمال مؤتمر ميونخ للأمن، بتاريخ19 فبراير الحالي ، في دورة استثنائية تدور مناقشاتها عبر الإنترنت دون جلسات سرية أو مظاهرات.
حيث دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن الدول الأوروبية عبر الأطلسي إلى التوحد في مواجهة التهديد الروسي، ورفض محاولات موسكو إضعاف المشروع الأوروبي.
لقد ذهبت أوروبا لأطلق دعوة لجو بايدن لتوحيد سياسة الأطلسي خلال الجلسة الافتراضية لمؤتمر ميونيخ للأمن.
يعتبر مؤتمر ميونيخ هو المنتدى الأمني الدولي الرئيسي بعد دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة. منذ عام 1963، الذي يعقد تَقْلِيدِيًّا في العاصمة البافارية في الفترة من يناير إلى فبراير، ولكن بسبب الوباء، قرر المنظمون هذه المرة تأجيله (مؤقتًا) إلى مايو "ايار" . علاوة على ذلك، تم تقريره سريعا عن طريق التواصل الالكتروني .
وفيه ستعلن إدارة الأمريكية (نائب الرئيس أو وزير الخارجية)، لاستعادة تحالف الأطلسي كما كان قبل وصول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السلطة. من أجل عدم تأجيل البيان الذي طال انتظاره بالنسبة للحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، لقد تقرر ت عقد هذه الجلسة الخاصة عبر الإنترنت لانجاز لللمؤتمر. حيث وافق عليه جو بايدن نفسه على التحدث فيها.
ولأول مرة منذ عام 1995، لم تتم دعوة أي ممثلين رسميين من الاتحاد الروسي لحضور هذا الحدث الأمني المميز.
لقد خصصت الجلسة عَمَلِيًّا بالكامل للاحتفال بإحياء التحالف الأمريكي الأوروبي. فالشخص الوحيد الروسي الذي ظهر في هذا الإطار هو ألكسندر جابيف، الخبير في مركز كارنيغي في موسكو، بصفته مشاركًا في برنامج القادة الشباب في ميونيخ، ومُنح الفرصة له لطرح سؤال على مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس. ومع ذلك، تم ذكر روسيا عدة مرات - في الغالب بطريقة سلبية.
كلمة بايدن في اللقاء وموقفه من اوروبا وروسيا :
أعلن الرئيس جو بايدن في خطابه امام المجتمعين بان السلطات الروسية تحاول إضعاف المشروع الأوروبي والناتو وتريد تقويض الوحدة والعزم عبر الأطلسي. ومن الأسهل بكثير على الكرملين أن يهدد دولاً منفردة بدلاً من التفاوض مع تحالف قوي ومتحد عبر الأطلسي.
وشدد الرئيس الأمريكي على أهمية الرد المشترك على الهجمات الإلكترونية التي شنتها روسيا وشددت على أنه من مصلحة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الدفاع عن سيادة ووحدة أراضي أوكرانيا.
لقد وصف الصين بأنها التهديد الرئيسي، محذرًا من أن الدول الغربية وحلفائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ يجب أن تستعد لمنافسة قوية طويلة الأمد معه. فالتهديد من روسيا، ذو طبيعة مختلفة، لكنه ليس أقل واقعية.
لقد خصص جزءا كبيرا من خطابه لإعادة التفكير في السياسات الانعزالية الأمريكية التي اتبعها سلفه. وأعلن الرئيس بأنه يبعث برسالة واضحة إلى العالم يقول فيها:
أمريكا عادت، وعاد التحالف عبر الأطلسي.
فإن الشراكة بين الولايات المتحدة وأوروبا، هي حجر الزاوية ويجب أن تظل حجر الزاوية لكل ما نأمل في تحقيقه في القرن الحادي والعشرين، وأن الولايات المتحدة ملتزمة تمامًا بحلف الناتو. ستبقى الولايات المتحدة وفية للمادة الخامسة (من معاهدة واشنطن )، وهذا ضمان مننا. فالهجوم على واحد هو هجوم على الجميع. هذا هو عهدنا الذي لا يتزعزع.
وذكرى أن دونالد ترامب انتقد الحلفاء الأوروبيين مرارًا وتكرارًا لعدم رغبتهم في زيادة إنفاقهم الدفاعي، وأمر بتقليص القوات الأمريكية في ألمانيا، بل نظر في خيار انسحاب الولايات المتحدة من الناتو لكن كلمته باتت تختلف تلقائيا عن سلفه .
كما دعا جو بايدن الأوروبيين إلى عدم المبالغة في التطوير العسكري لحلف الاطلسي ، لكنه أعلن إلغاء مرسوم سلفه بشأن انسحاب القوات من FRG وأكد أن واشنطن ليس لديها شك في أهمية الاعتماد على التحالف. وقال أعلم أن التوترات وضعت علاقتنا عبر الأطلسي على المحك خلال السنوات القليلة الماضية، لكن الولايات المتحدة مصممة على استئناف التعاون مع أوروبا.
ومن هنا كان هذا الخطاب المطلوب من الرئيس الأمريكي وتحديدا ما كان الأوروبيون يأملون في سماعه من زعيم الإدارة الجديدة لكيفية التعامل القادم.
حيث أظهر الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ رضاه عن المواقف الجديدة، داعيًا أعضاء الحلف إلى إظهار التزامهم بالتضامن عبر الأطلسي، ليس بالأقوال فحسب، بل بالأفعال.
التقارب يهدف الجديد بين أوروبا والولايات المتحدة لفتح جبهة قوية قادمة من أجل الدفاع عن النظام العالمي القائم، والذي يواجه تحديًا من قبل الأنظمة الاستبدادية في الصين وروسيا، اللتين تحاولان إعادة صياغة القواعد لتناسب مصالحهما.
لقدعبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن أسفها لأنه في السنوات الأخيرة لم يكن من الممكن المضي قدما في الحفاظ على سيادة ووحدة أراضي أوكرانيا، معترفة بأن رباعية مينسك لحل النزاع متوقفة.
وتحاول ألمانيا القول بأن الآفاق مسدودة ويفضل تطوير سياسة مشتركة تجاه روسيا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
اذن يمكن القول بأنه لاتزال توجد تباعد في المواقف بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين ولن يتصرفوا دائمًا من موقف موحد كي لا يسيطر عليهم أوهام. وهنا نرى بان المستشارة كانت تقصد عن الاختلافات الأوروبية الأمريكية، إلى النزاع حول بناء خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2الذي يعمل بين روسيا وأوروبا عن طريق أبحر الشمال بالشراكة مع ألمانيا حيث تريد الولايات المتحدة إخراج هذا المشروع عن مساره.
اما الموقف الفرنسي تجسد بطرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أشار إلى حقيقة مهمة بشأن الخلافات بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة والتي قد تستمر في الظهور.
وبنفس الوقت تصر فرنسا رغبة في المطالبة بفتح الحوار مع روسيا لكونها ترى بان السلام في أوروبا يكون بالتوافق مع روسيا وليس بعزلها.
فالجلسة توقفت أمام أمرين مهمين ما بين الحاجة إلى تطوير استراتيجية مشتركة عبر الأطلسي وفتح باب الحوار لبناء علاقات مع روسيا.
وهنا نرى بان الولايات المتحدة تحاول أن تقدم خطابا جديدا منفتحا على أوروبا التي ترى فيها صديقة قديمة يجب تجديد التحالف الاستراتيجي معها بينما لايزال خطابها تصعدي نحو روسيا التي ترى فيها خطرا حقيقا على الأمن والسلم العالمي كما الصين وكوريا وإيران.
اذن الإدارة الجديدة لم تخفي عدائها الواضح لروسي ونظامها وتصرفاتها في العديد من القضايا التي ترى بأنها مسببة للفوضى وخلق الأزمات الداخلية والخارجية. بل ركز الرئيس بيدن على ضرورة استنهاض التحالف الامريكي الاوروبي من خلال تعزيز الناتو وتوحيد خطابه السياسي .