كانت المشكلة الأساسية في الازمات المتناسلة في البلاد أنه تم الاستناد إلى مغالطة كبيرة وهي تغيير السلوك لهذه الطبقة السياسية. على مدى عقود ظن الجميع أن هذه الطبقة ستغير من سلوكها. لن يحدث هذا. ويعلم اللبنانيون أن السلطة السياسية لا تسترشد ولا تهتم بمصالحهم الوطنية بل بمصالحها الإجرامية الفاسدة، وعلى ما يبدو ان سلسلة من العناصر الخطرة، تشابكت في هذه المرحلة، الامر الذي دفع بالكثيرين الى السؤال، عن ماهية ما يجري وهل هو سيبقى ضمن عملية عض الاصابع أم ان البلد يتجه للدخول العملي في سياق الانهيار الكبير .
العناصر الخطرة التي بدأت تظهر أخيراً وهي بالطبع تتجه الى المزيد من التفاقم، وهي تشكل باباً واسعاً للفوضى وأبرزها .
الفوضى المالية النقدية العارمة التي لم يعد الشارع قادراً على تحمّلها. وهي بدأت بالارتفاع المثير لسعر صرف الدولار إلى 9500 ليرة، وربما إلى سقوف غير محدّدة، بالتوازي مع عملية رفعٍ مستترٍ للدعم عن السلع الأساسية، وربما تتّسع لتشمل الأغذية كلها والمحروقات والأدوية.
الفوضى السياسية التامة على مستوى إدارة السلطة، حيث لا حكومة فاعلة ولا حتى إدارة أعمال حقيقية، فيما أفق الاستحقاقات النيابية والرئاسية المقبلة مسدودة تماماً. ويوحي الصدام السياسي بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلّف، وكذلك الصدام بين المحاور السياسية والطائفية والمذهبية، أنّ الحل لم يعد وارداً إلاّ بصياغة جديدة للمعادلات في البلد، لم يحن موعدها بعد.
فوضى الاشتباكات والتواطؤات الإقليمية والدولية التي يقف لبنان على التقاطع بين أزماتها سوريا، الملف الإيراني، النزاع أو التفاوض مع إسرائيل، طريقة التوازن في التعاطي بين الشرق والغرب. وربما يدفع لبنان ثمناً باهظاً لأي دعسة ناقصة إضافية يخطوها إقليمياً أو دولياً، في لحظة ضعفه أو استضعافه.
ويضاف إلى ذلك، الفشل في دعم العائلات بالمال، وتعثُّر الاتفاق على قرض الـ247 مليون دولار مع البنك الدولي، وسط روائح الفساد وفضائح نهب المساعدات التي دفعت القوى المانحة إلى التهديد بوقفها.
يضاف إلى ذلك، الغموض الذي يسيطر على العلاقات بين قوى السلطة وصندوق النقد الدولي، بعد انكشاف ارتكابات قوى النفوذ في المرافق والمؤسسات كافة، بدءاً بالقطاعين المصرفي والمالي، وتهرِّبها من كل أشكال التدقيق.
في الواقع ليس هناك من جديد يذكر على ارض الواقع، يؤدي الى خروج لبنان من حالته المأزومة، وكثيرون يتوقعون ان يطول عمر حكومة تصريف الاعمال برئاسة حسان دياب، الى اجل غير مسمى، خصوصا وان الرئيس عون معتكف عن الاستجابة لمطالب الحلحلة ولايزال متمسكا بشروطه، والوساطات الخارجية، كما ومبادرة الرئيس نبيه بري، تدور في حلقة مفرغة، وهي لن تستسلم للامر الواقع، ولم تسلم بالفشل، رغم المخاوف من ان تتمخض ازمة تشكيل الحكومة عن ازمات لا يمكن ضبضبتها بسهولة، كما وعلى رغم ما يشاع، في العديد من الاوساط، عن ان فرنسا، بقيادة ماكرون، ودعم اميركي، لن تتخلى عن مبادرتها ودورها ومهمتها، وان دخلت على الخط،تحذيرات دولية متتالية من ان هناك اطرافا لبنانية تدفع باتجاه دفع المجتمع الدولي للتخلي عن لبنان، عبر السياسة التي تعتمدها اطراف معينة في تعطيل تشكيل الحكومة، تحت ذرائع وحجج متعددة العناوين والمضامين، ما يؤدي الى ما لا تحمد عقباه، إذاً، هل يمكن الحديث عن بداية تشقّقات في الواقع السياسي الملتهب، تقود إلى انفجاره أو انهيارِ جدرانه؟ هناك مَن يخشى أن يكون لبنان قد دخل في هذا الزمن.
إقرأ أيضا : غياب الحلول تقتصر في سجالات زواريب السلطة
الانظار تتجه الى الاتي من الايام، والمعنيون يتساءلون عما اذا كان من الممكن احداث خرق جوهري على مستوى تشكيل الحكومة العتيدة، المتعثرة الولادة بفعل تمسك رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه بمطالبه ومواقفه، ان لجهة الصيغة وان لجهة العدد، وان لجهة الحصة الرئاسية وتوزيع باقي الحصص، ولم تظهر بعد اية مؤشرات تفيد بإستئناف المساعي وفي هذا السياق اطل بالامس رئيس التيار الوطني الحر ليقدم المعزوفة نفسها قائلاً ، هناك من يتسببون بوجع الناس ويستغلونه ليضغطوا علينا ويكسرونا سياسيا، فهم يعرفون أن وجع الناس وجعنا، والأزمات الحادة تكشف معدن البشر، وكل واحد، قريب او بعيد، يظهر على حقيقته وأخلاقه. اعتقدنا ان الأزمة في 17 تشرين 2019 ستدفع رئيس الحكومة وقتها الى تحمل المسؤولية مع شريكه الدستوري رئيس الجمهورية، لا ان ينقلب عليه ويطعنه بظهره ويستقيل من دون أن يخبره حتى ويركب موجة الحراك ليتنصل من المسؤولية ويحمله إياها.
متهماً البعض بانه عاد ولبس ثياب الوصاية ويمارس الفوقية والمس بحقوق الآخرين وكرامتهم. مؤكداً على وحدة المعايير،متهماً الحريري أنه لا يستطيع أن يكون عنوانا للإصلاح ولهذا لم نقم بتسميته.
وأعلن أن ما يؤخر تشكيل الحكومة أسباب داخلية، وأخرى خارجية نتحدث عنها في وقت لاحق إذا لزم الامر. وعن الاسباب الداخلية التي تؤخر تشكيل الحكومة، قال الخروج عن الإتفاق العلني الذي حصل بيننا على الطاولة مع الرئيس الفرنسي والمعروف بالمبادرة الفرنسية، والخروج عن الأصول والقواعد والدستور والميثاق.
في الخلاصة يبدو واضحاً أن المرحلة القادمة ما لم تحصل معجزة سوف يكون عنوانها المزيد من الانهيار المعيشي والاقتصادي والنقدي مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية. وبما أن الأمور ذاهبة الى مزيد من التأزم والانهيار فلا بد أن يتحرك الشارع من جديد وبشكل أقوى وأعنف مما حصل سابقاً. وفي هذا الاطار من المرجح أن تدخل السلطة بأجنحتها المتنوعة لمحاولة توجيه الغضب الشعبي نحو من تعتبرهم خصومها أو المسؤولين عن افشالها.