كتب حسين اسماعيل، طبيب أمراض قلب، مدير برنامج طب الشرايين في الجامعة الأميركية في بيروت، في "الأخبار":بعد أكثر من سنة على إعلان منظمة الصحة العالمية جائحة «كوفيد-19»، لم يعد النقاش المرتبط بتأثيرات الفيروس على العالم محصوراً بالتداعيات التي أصابت إقتصادات الدول أو أنماط الحياة اليومية في مختلف المجتمعات، بل بات يستدعي النظر إلى مترتبات استخدام البشرية غير المسبوق للتكنولوجيا التي ستفرض علينا التغييرات التي ستتطلب المزيد من التكيف في العقود المقبلة.
الحديث، هنا، يطال بالتحديد تأثيرات تقنية لقاح mRNA و تقنية CRISPR اللتين قد يكون من شأنهما أن تطيلا عمر الإنسان وأن تؤثرا على نفقات الرعاية الصحية والشكل الفعلي للهرم العمري للمجتمعات. ومن المتوقع أن يكون لمثل هذه التأثيرات العميقة تأثيرات نهائية على الاقتصاد والسياسة العالميين أيضًا. لذا يمكن للمجتمعات، عبر التخطيط والتكيّف فقط، مواجهة التحديات الهيكلية المقبلة.
بدايةً، ما هي تقنية mRNA المستخدمة في لقاحي «بيونتك - فايزر» و«موديرنا»، وكيف مهّدت لعلاجات أمراض أخرى؟
في الحقيقة، لا بدّ من الإشارة إلى أن الوصول إلى لقاحات mRNA كان نتاج عقود من العمل الشاق. يُمكن تبسيط الأمر على الشكل الآتي: يعمل اللقاح كحامل بريد؛ الأخير عبارة عن رسالة تطلب من آلية الخلية البشرية إنتاج بروتين معين. في حالة لقاح «كوفيد-19»، كان البروتين هو لاقط الفيروس التاجي اللازم لربطه بالخلايا البشرية حتى تحدث العدوى. بمجرد إنتاج هذا البروتين، وهو بروتين غريب على جسم الإنسان، يقوم الجهاز المناعي للإنسان بتكثيف جنوده لمكافحته وبالتالي يوفّر الحماية للإنسان الملقح من الفيروس الحقيقي في حال تعرضه له.
بالطبع، الوصول للنتيجة الإيجابية النهائية لم يكن بهذه السهولة. أولاً، كان العلماء بحاجة إلى أن يكونوا قادرين على إنتاج «البريد» وتخزينه. ثانيًا، احتاجوا إلى تحديد طرق إيصال المرسال بطريقة تحميه من التلف على الطريق. ثالثًا، كانوا بحاجة إلى التأكد من استجابة الجهاز المناعي بالجرعة المناسبة. فمن ناحية لن تكون الاستجابة الضعيفة كافية لتحقيق الحماية من الفيروس. وعلى العكس من ذلك ، يمكن أن تكون الاستجابة المناعية المبالغ فيها أو الموجهة بشكل خاطئ ضارّة بالإنسان الذي تم تطعيمه. إذ يصنف الأطباء الاستجابة المناعية الموجهة بشكل خاطئ في الطب تحت أمراض المناعة الذاتية - بعضها قد يضعف الحياة أو يهددها! لحسن الحظ، لم يحدث هذا في لقاح «بيونتك - فايزر» أو لقاح «موديرنا». واللافت أن هذا النجاح شكّل دافعاً لاستخدام هذه التكنولوجيا في تجارب لعلاجات العديد من الأمراض، مثل أمراض القلب والأمراض الوراثية النادرة، فضلاً عن الأمراض العصبية كالتصلّب المتعدد وحتى السرطان!
أحد أمثلة RNA القريبة بمنهجيتها من اللقاحات وعلى أبواب التسويق هو دواء Inclisiran. إذ بيّنت تجارب المرحلة الثالثة أنه يخفض مستوى الكوليسترول الضار LDL إلى النصف. والمرضى الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية هم الأكثر دراية بأهمية خفض البروتين الدهني منخفض الكثافة من حيث الوقاية من النوبات القلبية والوفاة.
ماذا عن تقنية «كريسبر» (CRISPR)؟ وكيف ستساعد على رفع معدلات الحياة؟
تنشئ تقنية «كريسبر» مقصًا جينيًا يستهدف جزء الحمض النووي المرغوب ويقطعها. وتُستخدم هذه التقنية في الزراعة لإنشاء محاصيل أكثر مقاومة للأمراض، وبالتالي لمُضاعفتها، ما يمكن أن يُساهم في الأمن الغذائي العالمي لمنع الجوع. على جبهة «كوفيد»، باستخدام «كريسبر» حدّد العلماء وسائل لاستهداف فيروس أنفلونزا H1N1 وما يقرب من 90% من فيروسات «كورونا» في التجارب المعملية. في الطريق، يهدف العلماء إلى تخطّي خطوة التطعيم تمامًا للانتقال مباشرةً إلى هندسة خلية لمفاوية (من نوع ب) يمكن أن تولد الغلوبيولين المناعي اللازم لمكافحة فيروس «كورونا». دفعت هذه الإمكانات الاتحاد الأوروبي إلى اعتماد تعليق مؤقت للموانع من تطوير الكائنات المعدلة وراثيًا للتجارب السريرية على لقاحات «كوفيد-19» باستخدام تقنيات تحرير الجينات.
في مصادفة محفزة، تم نشر المزيد من الأخبار لصالح هذه التقنية في 21 كانون الأول 2021 في ما يمكن الإشارة إليه على أنه نتيجة سريرية واضحة وغير قابلة للدحض تحققت مع مريضين، أحدهما يعاني من الثلاسيميا المعتمد على نقل الدم والآخر من مرض فقر الدم المنجلي.