"اذكروا محاسن موتاكم، وكفّوا عن مساويهم"، حديث نبوي شريف( يصفه بعضهم بالضّعف) يحثُّ على نشر محاسن الموتى وفضائلهم، لتعُمّ مكارم الأخلاق وتستقيم تعاملات الناس، كما يحثُّ في نفس الوقت على الكفّ عن مساوئ الموتى، لئلاّ تنتشر الموبقات والنّقائص، وغالباً ما يُستحضر هذا الحديث في معرض استحضار سيرة من تربو مساويه على محاسنه، ومناسبة تذكّر هذا الحديث اليوم هو استحضار بعض محاسن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، عندما رفض رفضاً حازماً وصول الجنرال عون إلى سدة الرئاسة الأولى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، بعد انتهاء فترة رئاسة الرئيس السابق أمين الجميل، وذلك رغم ما تواتر عن سعي الجنرال عون بتقديم أوراق اعتماده لدى القيادة السورية، سواء بالمراسلة أو بالفعل( حرب الإلغاء ضد القوات اللبنانية)، واليوم وبعد مضيّ أربع سنوات على عهد الرئيس عون البائس، والذي أودى بالمواطنين إلى نار جهنم باعترافه العلني، يتبيّن لنا مدى حصافة و"حكمة" الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي كان قد حدس بدهائه السياسي أنّ الجنرال عون ليس مؤهّلاً لرئاسة الجمهورية اللبنانية، وذلك لأسبابٍ عدّة، لعلّ أبرزها أولاً: معرفة حافظ الأسد بشخصية الجنرال عون المزاجية، وعدم الإطمئنان والوثوق بتعهداته ووعوده التي يمكن أن يعطيها للقيادة السورية، وثانياً: أنّ خراب لبنان سيكون مُدمّراً على يد عسكري-سياسي مغامر، لا همّ عنده سوى الحسابات الشخصية واعتلاء منصب رئاسة الجمهورية.
إقرأ أيضا : الوزيران زعيتر وخليل للقاضي صوّان..الله لا يخلّينا إذا خلّيناك في مركزك.
بعد الرئيس الراحل حافظ الأسد بسنوات، ونفي الجنرال عون إلى باريس، كتب المحامي عبد الحميد الأحدب في مقالة له في جريدة النهار، أنّه كان صديقاً للجنرال عون، وعلى صداقةٍ وثيقة مع الزعيم الوطني ريمون إدة، وكان عون يُلحّ على الأحدب لجمعه مع ريمون إدة، وكان إدة يرفض ويقول للأحدب: ميشال عون يعمل للوصول، وويلٌ للُبنان إن وصل.
أثناء احتدام معركة رئاسة الجمهورية بعد خُلوّ سدّتها عام ٢٠١٤ بانتهاء فترة رئاسة الرئيس السابق ميشال سليمان، وترشّح ثلاثة من أقطاب الموارنة الأربعة "الأقوياء" لرئاسة الجمهورية: ميشال عون والدكتور سمير جعجع وسليمان فرنجية، ومع انسداد المأزق الدستوري بانتخاب واحدٍ من هؤلاء الثلاثة، وإصرار حزب الله على انتخاب الجنرال عون رئيساً للجمهورية أو لا أحد، كان الرئيس نبيه بري يرفض رفضاً قاطعاً انتخاب الجنرال عون إلى سدة الرئاسة الأولى، ونُقل عن لسانه مرّةً أنّه يرى استحالة وصول عون لرئاسة الجمهورية، أمّا المشهور والثابت فهو قوله في معرض تبريره عدم مجاراة حزب الله بانتخاب الجنرال عون رئيساً للجمهورية: "أنا لا انتخب رئيسين"، وكان يُعرّض بمدى هيمنة شخصية صهر الرئيس عون عليه، وبما أنّ دهاء الرئيس بري لا يُضاهيه في تاريخنا الماضي والحاضر إلاّ دهاء الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، فبعد انتخاب الجنرال عون رئيساً للجمهورية عام ٢٠١٦، والداهية التي ألمّت بلبنان منذ أربع سنوات من شماله إلى جنوبه، صدقت هواجس ومخاوف الزعماء الثلاثة بالتّساوق: الرئيس حافظ الأسد والزعيم ريمون إدة والرئيس نبيه بري.