لا تكمن المفاجأة في أنّ مشروع قرض البنك الدولي المُخصّص لتقديم مساعدات مالية طارئة الى العائلات المحتاجة، لم يمرّ أمس في اجتماع اللجان النيابية، بل في الموقف التصعيدي الذي اتخذه نواب «حزب الله» بشكل خاص، والذين تناوبوا على الكلام وأسهبوا فيه، ووصلوا في انتقاداتهم الى حدّ اتهام من تبنّى مشروع القرض بالمسّ بالسيادة والكرامة الوطنية، والموافقة على وضع البلد تحت الوصاية، وصولاً الى التدويل.
عقدت لجنتا المال والموازنة والصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية، جلسة مشتركة برئاسة نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي وحضور وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني، وزير الشؤون الاجتماعية رمزي المشرفيه، والمقرر النائب ابراهيم كنعان وعدد من النواب.
ناقشت اللجنتان مشروع قانون طلب الموافقة على ابرام اتفاق قرض بين لبنان والبنك الدولي، للإنشاء والتعمير، لتنفيذ المشروع الطارئ ولدعم شبكة الامان الاجتماعي، للإستجابة لجائحة «كوفيد-19» والأزمة الاقتصادية في لبنان.
فياض
قال النائب علي فياض: «سجّلت ملاحظات جوهرية شكلاً ومضموناً على الاتفاق الذي تناقشه اللجان المشتركة، وهناك ملاحظة دستورية، اذ انّ هناك مخالفة واضحة. فهذا الاتفاق محال بموجب مرسوم عادي وقّعه الرئيسان والوزراء المعنيون، في وقت انّ المواد 53 و65 و18 من الدستور تنصّ على انّها صلاحيات مجلس الوزراء. لذلك، فإنّ هناك مصادرة لصلاحية مجلس الوزراء. من وجهة نظرنا كان على مجلس الوزراء ان ينعقد حتى في ظل حكومة تصريف الاعمال. الظرف الاستثنائي والضروري يتيح له ذلك».
هاشم
من جهته، قال النائب قاسم هاشم: «لأنّ شعبنا اليوم اصبح في حاجة نتيجة الظروف، فهذا القرض متوافر لدينا للحصول على المبلغ الذي اصبح ضرورياً في هذا الظرف. وعلى رغم كل الملاحظات التي سنعرضها لاحقاً، سيكون لنا بعض التحفّظات عن بعض المواد التي تمكن معالجتها، عبر ملحق او ما يتمّ التفاهم عليه مع البنك الدولي ومن تكلّفهم الحكومة».
شري
النائب امين شري، قال: «كانت هناك ملاحظات عدة: الاولى من الناحية القانونية والدستورية لجهة احالة المشروع على مجلس النواب، من دون ان يكون هناك اصرار على احالة المشروع على الحكومة. وهناك ملاحظات عدة للكتل النيابية. هناك بيانات بعضها عند الدولة اللبنانية، ومنصّة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية، ومراكز في المناطق وبيانات للجيش يوزع بموجبها حصصاً بقيمة 400 الف ل.ل، ومنصّة لوزارة الداخلية والبلديات، وواحدة لدى رئاسة الحكومة. وسؤال الكتل النيابية وخصوصاً كتلة «الوفاء للمقاومة» أي بيانات ستُعتمد؟ الى ذلك، هناك واحد في المئة من 227 مليون دولار لبرنامج الغذاء العالمي. الدولة ستدفع لهذا البرنامج، وهو عمل تستطيع وزارة الشؤون الاجتماعية ان تقوم به. كل هذه الاسئلة حضرت، واتفقنا ان تأتي الحكومة الاسبوع المقبل للإجابة عن كل الاسئلة، وعلى اساسها يُصوّت على اقراره او عدمه».
الحجار
بدوره، قال النائب محمد الحجار: «المشروع في ذاته كحل مجتزأ للأزمة التي نعيشها في البلد، سببه غياب حكومة مكتملة الصلاحيات قادرة ان تجتمع وتتخذ قراراً. هذا فحوى المشكلة الدستورية وأساسها، وبالتالي الحل بتأليف حكومة في اسرع وقت، وان شاء الله تكون الامور نضجت لدى كل الافرقاء».
أضاف: «سبق لي ان طالبت بإسم كتلة «المستقبل» عندما بُحث في موضوع الدعم والاحتياط الالزامي، بأن يُصار الى المضي قدماً في هذا القرض بالنقاشات التي كانت تحصل، لنستطيع ان نوفّر مصدر مال نساعد فيه العائلات الاكثر فقراً في هذا الظرف. واذا استمر الوضع على ما هو عليه من تعطيل سياسي وتعطيل تأليف حكومة، فسيزداد العدد اكثر فأكثر. طالبنا بأن يُصار الى توسيع قاعدة المستفيدين، واليوم نحكي عن 200 الف أسرة. الـ 200 الف لا تشكّل العدد الفعلي، وخصوصاً اذا ذهبنا الى ترشيد الدعم او الى رفعه عن سلع معينة. وبالتالي، طالبنا وزارة المال بأن تفكر بمصادر اضافية وموارد اضافية لهذا الموضوع».
عون
النائب الان عون لاحظ انّ «هذا القرض جزء من معالجة مالية واجتماعية، يُفترض ان تقوم بها الحكومة في ظلّ الانهيار الذي نعيشه. وهذا القرض يأتي للأسر الاكثر فقراً، وهو جزء من خطة متكاملة ويغطي الشق الاجتماعي، لأننا ذاهبون الى ترشيد الدعم، بما يعني اننا سنفقد القدرة الشرائية الاكبر، لأنّه لن يكون لدينا الدعم نفسه، ولنعوّض ذلك بهذا القرض».
أضاف: «هذا القرض جزء، بينما نحن في حاجة الى خطة متكاملة، سؤالي للحكومة: اين اصبحت خطة ترشيد الدعم التي تبرّر اعتماد هذا القرض؟ لماذا ترسلون جزءاً وتتركون آخر؟».
فضل الله
وفي السياق، ألقى النائب حسن فضل الله مداخلة قال فيها: «تحت ضغط الظرف الاستثنائي وحاجات الناس الملحّة، هناك محاولة لتمرير مشاريع بسرعة من دون تدقيق وتمحيص وتحسين الشروط لمصلحة المستفيدين بالدرجة الاولى».
أضاف: «بين أيدينا مشروع في حاجة إلى نقاش جاد، لأنّ فيه ثغرات دستورية وقانونية وتعدّياً على الصلاحيات وهدراً كبيراً لأموال القرض تصل إلى اكثر من 10 ملايين دولار، ووضع اليد على مؤسسات الدولة واستحداث توظيفات جديدة».
وسأل: «لماذا لم تجتمع حكومة تصريف الأعمال وتناقش وتحسّن الشروط وتصادق على الاتفاق؟ اي خرق اوسع للدستور، اجتماع الحكومة مع انّه ليس خرقاً ام إبرام اتفاق خارج مجلس الوزراء؟ اكثر من ذلك، يفرض الاتفاق الحالي ان يبرم المقترض (لبنان) اتفاقاً عبر رئاسة مجلس الوزراء مع برنامج الأغذية العالمي لإدارة الأموال، ويضع النص بنود الاتفاق وصلاحيات البرنامج. ألا يناقض ذلك المادة 52؟ أين دور رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء والنواب؟ بقرض مُحدّد، ومن مال الشعب اللبناني، تُباع كل الصلاحيات الدستورية في وقت يُعطّل البلد بعنوان الدفاع عن الصلاحيات وعدم المس بها».
تابع: «أما في المضمون، فإنّ الاتفاق يفرض مصادرة مؤسسات الدولة لمصلحة برنامج الأغذية العالمي، فالاتفاقية تدخل في أدق تفاصيل تشكيل اللجان وتحديد الصلاحيات، والصلاحيات المعطاة للبرنامج هي بثمن من مال الشعب، لأنّه يقتطع من القرض حوالى مليونين ونصف مليون دولار، يضاف اليها نحو 8 ملايين دولار للموظفين الذين ينتظرون الحظوة بالدخول إلى ادارة المشروع. فوفق اي آلية سيتمّ اختيار الموظفين، التجارب السابقة غير مشجعة، حتى للمؤسسات الدولية التي تساهم احياناً في الفساد والإفساد عبر التوظيف وهدر المال العام».
وقال: «صحيح أنّ هناك اهتراء في مؤسسات الدولة وعدم ثقة المقرضين بأدائها وبطريقة صرف الأموال، لكن هل هذا يبرّر وضعها تحت سلطة البنك الدولي وإلغاء دور الدولة على حساب سيادة البلد وكرامة شعبه، كان على حكومة تصريف الأعمال أن تقوم بدورها ليأتي الاتفاق منسجماً مع الدستور والقوانين والسيادة».
وختم: «هناك من يطالب بالتدويل ومستعد للقبول بأي شيء، نحن لسنا من هؤلاء، ونرفض المس بكرامة الناس، فحتى على المستوى الإنساني هناك من يريد ان يحدّد للمواطن كم وجبة يأكل في اليوم؟ لا يجوز التعامل مع المواطنين بهذه الطريقة، وهم الذين أوصلهم الفاسدون في السلطة إلى هذا المستوى».
ابو الحسن
الى ذلك، قال النائب هادي ابو الحسن في مؤتمر صحافي عقده في مجلس النواب بعد الجلسة: «كنا قد تقدّمنا ككتلة «لقاء ديموقراطي» منذ أكثر من 5 أشهر بمشروع متكامل لترشيد الدعم، ولكن بكل أسف ما قلناه في الجلسة على أهمية موضوع قرض البنك الدولي يتحول دائماً الى نقاش بالجزئيات، ولا ننظر الى الصورة كاملة، التي عبرها نستطيع ان نحقق معالجة عملية وعلمية شاملة وكاملة، لئلا تتعثر الحكومة لاحقاً في عملية دعم الأسر الأكثر حاجة».
وقال: «هذا المشروع، على رغم كل الملاحظات التي نوافق على بعضها ونتحفّظ عن البعض الآخر، يجب ألّا يثنينا كي نقرّه وتذهب هذه الاموال الى الأسر الاكثر حاجة».
أضاف: «يجب توحيد قواعد البيانات بشكل ان تكون موحّدة وفق معايير واحدة، وان تستوعب العائلات التي تحتاج الى الدعم، وهذا المشروع يتناول نحو 200 ألف عائلة فقط، مع العلم انّ الإحصاءات في لبنان تقول إنّ الذين يرزحون تحت عبء الحاجة تصل نسبتهم الى حدود 70%»، متسائلاً: «ماذا نفعل بالجزء الآخر؟ وكم شهراً يغطي هذا المشروع لدعم العائلات؟ هذه من الاسئلة التي ننتظر جواباً من الحكومة عنها».
وسأل ايضاً: «لماذا سعر الصرف سيكون بالعملة اللبنانية وعلى سعر جديد وهو 6240 ليرة؟ ولماذا أصبح لدينا أربعة أسعار للدولار الأميركي؟»، مضيفاً: «مطلبنا توزيع المساعدات للاسر الاكثر حاجة بالدولار الاميركي».
ولفت الى انّ «مشروع القرض من البنك الدولي يجب ان يترافق مع وقف تهريب السلع والعملة الصعبة، ومع مشروع ترشيد الدعم، وبغير ذلك لا نكون نضع الاصبع على الجرح».
أضاف: «البعض يستحضر الدستور حين يشاء ويغيّبه ويتجاوزه في أمور أخرى».
وتابع: «حكومة تصريف الأعمال تحاول الهروب من نقاش خطة ترشيد الدعم وتحاول ان ترمي هذه الكرة الملتهبة الى الحكومة المقبلة، ولكن ليس بهذه الخفة تُدار أمور البلاد، ونقارب هذه المسائل الاساسية والحيوية».
وأشار الى انّ «مدخل كل القضايا هو الحكومة، ولذلك المطلوب اولاً وثانياً وثالثاً الحكومة. وكفى اليوم عمليات تعطيل واستحضار معايير، والبلد يغرق رويداً رويداً والشعب اللبناني يدفع الثمن، كذلك مطلوب الإصلاحات واستقطاب الاموال»، مؤكّداً «انّه من دون الحكومة والاصلاحات عبثاً نحاول».
وقال: «بالأمس، سمعنا انّ الشركة المشغّلة لدير عمار والزهراني في موضوع الكهرباء انتهى عقدها. واليوم نحن أمام انكشاف على مستوى الخدمات في دير عمار والزهراني، وانّ العتمة ستأتي وتستمر الأزمة»، سائلاً: «أين وزارة الطاقة من مناقصات تشغيل معامل الكهرباء وصيانتها في الزهراني ودير عمار؟».
وتمنّى «اقرار مشروع القرض في مجلس النواب في الاسبوع المقبل، وعلى أمل ان تجيب الحكومة والوزارات المعنية عن العدد الذي سيغطيه هذا البرنامج، والذهاب الى ترشيد الدعم، الى أن تفرج وتتألف الحكومة وتُنفذ المبادرة الفرنسية».