لماذا يملأ الدنيا و يشغل الناس ذلك الرادود الذي اختار أن ينتج عطراً يحمل ماركة باسمه، لتعود الضجة باختيار مريديه لقباً احتفائياً له و تتويجه في حفل جماهيري!
الرجل فاعل ديني في حقل يتميز بتفاعل الجمهور معه، و هو يقدم الخدمات الرمزية لهم على النحو و الشكل الذي يرغبون فيه، منتجات تديّن شعبوية تلامس وجدانهم و يشعرون بالتفاعل معهم و هي تتمظهر في لطميات و قرايات في إصدارات يتم إخراجها بعناية للمستهلك الذي يستخدمها لإشباع حاجياته..
كما السوق المادية، فالسوق الرمزية تتبع آليات تسويق و استهلاك معينة. الجمهور له ما يفضله و ما يحتاجه و ما لا يريده، و مزوّد الخدمة يقوم بتقييم السوق و المستهلكين لتقديم منتجات قابلة للترويج و الاستهلاك ..
كل فاعل ديني يتقاضى مالاً مقابل خدماته الرمزية هو جزء من هذه السوق. و بالتالي، يتفاعل مع العرض و الطلب و حجم السوق و كافة الآليات التي تحكم السوق. لذلك ستراه يوظف خدماته الرمزية، قراءة مراثي و مواعظ و أدعية، إلى رأسمال مادي.. و ستراه يرفع في كثير من الأحيان أجره بناءً على عدد جمهوره، أي ارتفاع قيمته السوقية نظراً لارتفاع الطلب على خدماته.. و في هذا السياق، تذكرت خطيباً أعلن أن اتفاقه مع احد المآتم انتهى و هو في مرحلة انتقال حر و يبحث عن عقد جديد مع مأتم جديد..
و لست هنا في مقام إصدار حكم قيمي على هذا الفعل، فأنا فقط أصف الظاهرة ضمن قراءة سيسيوثقافية تبحث في الظاهرة و لا تهتم بمبرراتها و لا شرعيتها و لا مقبوليتها الاجتماعية و لا حتى الأخلاقية.. و لكنني أصل إلى نتيجة بأن الخدمات التي يقدمها الفاعل الديني في هذا الوسط، عادةً ما تكون مدفوعة الثمن، و عادةً ما تكون محكومة بقوانين السوق من عرض و طلب ناجمين عن ذائقة و حاجة الجمهور.
كل ما فعله "مالئ الدنيا و شاغل الناس"، أنه تعامل مع السوق الرمزية بطريقة أكثر احترافية، حيث سعى إلى أيقنة نفسه من خلال branding لمنتجات تحمل اسمه، و قبل ذلك قام بحماية حقوق إنتاجه الفكري من خلال مؤسسة تتولى تنفيذ و توزيع تسجيلاته. و كل الصخب الحادث حوله هو لأنه -في تقديري على الأقل- جاهر بجرأة على الإعتراف بأن الخدمات الدينية خاضعة لعوامل السوق كسائر الخدمات و الفاعلين الدينيين بوصفهم وسائط خدمية هم جزء من هذا السوق و إن استتروا بعناوين "الخدمة" و الله من وراء القصد،،
محمد الشافعي