لعلّه من الطبيعي أن يكون تفاهم مارمخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر عام ٢٠٠٦، قد شارف على لفظ أنفاسه الأخيرة بعد اعتراف التيار الوطني الحر بفشل الإتفاق ببناء الدولة ومكافحة الفساد، وهذا بعد أن كان الإتفاق قد أدّى قسطه من المصالح المتبادلة لكلا الطرفين، فاللّحظة التاريخية التي وُقّع فيها اتفاق مارمخايل جاءت مؤاتية جدّاً للتيار الوطني الحر وحزب الله سواءً بسواء، فقد أعطى حزب الله للتّيار العوني بُعداً إسلاميّاً في المعادلة السياسية الداخلية، لدى طرفٍ فاعلٍ في لبنان والمنطقة العربية، في الوقت الذي كان فيه الجنرال عون ما زال مُحاصراً في الوسط السياسي اللبناني، في حين أعطى التيار الوطني الحر للحزب "تغطية" مسيحية ضرورية له بعد الإنسحاب السوري من لبنان في نيسان عام ٢٠٠٥، والحقّ يُقال أنّ الجنرال عون وتيّاره كانا صيداً ثميناً لحزب الله بعد عدوان تموز عام ٢٠٠٦. فقد غطّى الجنرال عون مآسي حرب تموز وتداعياتها، كما غطّى حصار السراي الحكومي بالخيم الثابتة وسط مدينة بيروت بعد تلك الحرب، كما غطّى دخول حزب الله العسكري إلى بيروت عام ٢٠٠٨، في المقابل يسّر حزب الله للتيار الوطني الحر، بفضل اتفاق الدوحة، وضع اليد على عددٍ من وزارات الخدمات، فاستباحها الوزير السابق جبران باسيل مع أعوانه وأنصاره فنهب وخرّب وزارات الإتصالات والطاقة والإقتصاد والتربية والخارجية، وما لبث حزب الله أن ابتزّ الطبقة السياسية الحاكمة بكاملها في سبيل وصول الجنرال عون إلى سدة الرئاسة الأولى.
إقرأ أيضا : اللبنانيون يبدأون مئوية لبنان الكبير الثانية بلا احتفاءٍ، لمئة سبَب وسبب
عن ماذا تمخّض اتفاق مارمخايل اليوم، وهو الذي حدّد مجريات الحياة السياسية اللبنانية منذ توقيعه قبل خمسة عشر عاماً، لبنان في ظلّ عهد الرئيس عون "القوي"، ترهّل فكريّاً وأخلاقياً، قبل أن يترهل سياسيّاً، وأول ما أصاب هذا التّرهل الجسم المسيحي كلّه، قبل أن ينتشر ليطال الوهن والعفن الجسم اللبناني بكامله، والإخفاق في تأليف حكومة إنقاذية من خارج الوسط السياسي الفاسد، لخير دليلٍ على ذلك، وها هو النائب أنور الخليل ( عضو كتلة التنمية والتحرير التي يملكها الرئيس نبيه بري) يطالب بوضع لبنان تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إن لم يبادر الرئيس عون إلى تشكيل حكومة جديدة، وفكّ لبنان من أسر مطامع ومطامح الوزير جبران باسيل، هذا الذي يحاول اليوم فكّ عزلته الداخلية، والتّخفيف من وطأة العقوبات الاقتصادية والمالية الأمريكية عليه، بقلب ظهر المٍجنّ لحزب الله والإنقلاب على التفاهم معه.
باسيل..كفى ضحكاً على عقول المسيحيين، كما سبق لك ذلك مع فخامة رئيس الجمهورية طوال السنوات العشر الماضية،، فالمسيحيون ليسوا على هذا القدر من السذاجة والإبتذال، بعد أن خبروا تفكُّك الدولة ومؤسساتها أمام أعينهم، حاول أن ترفع يدك عن رئاسة الجمهورية، لعلّ ذلك يسمح بنهايةٍ رحيمة للرئيس عون قبل فوات الأوان.