في غابر الزمان أراد السلطان العثماني زيارة مدينة اسطنبول، فكتب لواليها يطلب الإحتفاء بقدومه بإطلاق مائة قذيفة وقذيفة، فأجاب الوالي بتعذّر الطّلب، وعندما مثُل أمام السلطان وسأله عن سبب عدم تنفيذ الأمر، أجاب الوالي: يتعذّر ذلك لمئة سبب وسبب، فطلب السلطان منه أن يُعدّدها، فقال: أولاً، لعدم وجود بارود، فردّ السلطان بقوله: كفى، لا حاجة للمزيد.
كان اللبنانيون يتهيّأون للإحتفال بمئوية لبنان الكبير، إذ بهذا "الكبير" يسقط تحت سنابك الطبقة السياسية الفاسدة التي أحكمت خناقها عليه منذ أكثر من ربع قرن من الزمن، فدمّرت اقتصاده وأفرغت خزائنه، وهجرّت من أبنائه من استطاع إلى ذلك سبيلا، ودفعت الباقين إلى مهاوي البطالة والفقر والمرض، حتى بات معظم الناس تحت خطّ الفقر، وقِلّة قليلة اغتنت بالمال والسلاح غير الشرعي، والسّطو على الأملاك العامة واستباحة الإدارات الرسمية، والمواطنون حائرون بين أحزابٍ عاجزة وطوائف متناحرة، وزعماء مُتكالبة على السلطة والمال، وبين حكومة فاسدة ترحل وأخرى تأتي بلا جدوى ولا طائل، وبينما كان يُفترض أن يُطلقوا مع الرئيس الفرنسي ماكرون إطلاق مائة قذيفة وقذيفة احتفاءً بنجاح تجربة لبنان الكبير الذي تضافرت في إنشائه العبقرية الفرنسية والعبقرية اللبنانية، إذ بهم يتفاجأون بأن لا بارود يكفي، بعد أن نفدت الموارد كلها، وخاصةً بعد انفجار الرابع من شهر آب عام ٢٠٢٠ الذي كاد أن يودي بمدينة بيروت بكاملها، وأوقع عدداً كبيراً من الضحايا وحجماً هائلاً من الدمار، وترك المُصابين يشكون من يرحمهم إلى من لا يرحمهم.