الكبار يرحلون، والوطن تتقطَّع فيه الأنفاس وتتقلَّص الأوصال ويستنجد بالرجال.
ميشال المـر تاريخ في رجـل، واكبَ مسيرة لبنان في حلـوِهِ وفي مـرِّه، فكان له في كل صفحة بصمة، وفي كل موقعة جولة، وفي كل مجال رهانٌ ظافر، ما هـوى إلّا صعوداً، وما انكفأ إلّا تحفُّزاً للوثوب.
نائباً عن المتن كان في بداية المسيرة، عصاميةٌ تتنكّب إرثـاً عائلياً، خاض معركته النيابية الأولى في ظلال كوكبة وطنية وسياسية إسمها موريس الجميل.
والمسيرة انطلقت لا تعرف إخفاقاً، حتى أصبحت حزبية ميشال المـر في المتن تقارب حزبـاً.
إنـه سـرُّ الولوج إلى أحاسيس الناس في مواكبة شؤونهم وخصائصهم وشجونهم، هو سـرُ مشاطرة شارع الجمهور بما يختلج من شعور بـدل التطلع إليه من عنجهية القصور، من فوق.
ميشال المـر كان إسماً راجح الحضور في الحياة السياسية اللبنانية على مـدى الستين من السنين، قلَّما تألفت حكومة في لبنان إلّا كان إسم ميشال المـر في عدادها وزيراً ونائباً لرئيس الوزراء.
ولم تستحق دورة إنتخابية في المتـن إلّا كان لميشال المـر فيها وجاهة وموقع.
نائب المتن ترأس كتـلاً نيابية فأسدى للمتن خدمات جـلىّ وإنجازات، المتن كان كـلَّ كلَـه.
والَـى أو عارض، خاصم أو صادق، فقد كان صادقاً في الخصومة مثلَـهُ في الصداقات، هكذا هو، لا مواربة ولا محاباة ، يخاصمك أو يصادقك على حـدِّ السيف.
تقلّبت عليه الأيام حلاوات وشقاوات في حياته الشخصية كما في تحالفاته السياسية ، تجـرَّع كؤوس الحلاوة وما سكِـر، وتجرَّع المرارات وما انكسر.
أنصاره، يكنّـون لـه الولاء بلا حساب مهما تقلّبت الأخطار في الأقدار.
وأخصامه إن ناصبوه العداء فلا يستطيعون إخفاء ما يكنّـون من تقديرٍ لحنكةٍ سياسية ومهارات.
ميشال المـر، مهما قيل عنك وفيك، فأنت من الكبار الذين يفتقدهم لبنان في الأزمات الكبار.