وحدها طرابلس تعكس وجه الفقر في لبنان ووحدها من يدفع أثمان الجوع و العوز و الحرمان ووحدها من يبادر الى الثورة دون حسابات تُذكر فتدفع من رصيد شبابها المتحمّس ما يغطي مساحة الوطن دماً يجلو غبار المعركة مع السلطة التي لا تتوانى عن إرتكاب أبشع ما يمكن إرتكابه وممارسته من سياسات إتجاه مدينة تعطي زعماء الطائفة في حروبهم ومعاركهم بين بعضهم البعض وذلك في أُوج معاركهم الإنتخابية وفي شدّهم لحبال الطوائف عندما تتعرض مواقع الطائفة للإهتزاز من قبل طائفة أخرى فتجد دواب الطائفة تجدّ رحلها شمالاً لشحذ الهمم ونشر الوعود بجنة عرضها السماوات والأرض وقد أعدت للمنتخبين والزائدين عن حياض الحريري والميقاتي والريفي وعن أصغر آل كرامي وآخرين ممن جنوا ثرواتهم السياسية من عرق ودماء الطرابلسيين .
بغض النظر عن تفاصيل أحداث طرابلس وعن البحث الضائع والمجهول دائماً حول صوابية النهوض والخروج عن طوع وإرادة الحاكم وعن الطريقة المتبعة في التعبير و دالدفاع عن الغضب القائم في صدر كل مواطن لبناني تبقى طرابلس وسطاً وساحة مملؤة بالحرمان لمنطقة لم تشهد نمواً يّذكر في ظل شاحنات نقل خارجي لوعود داخلية غير محدودة لم ينفذ منها شيئ على الإطلاق وهذا برسم الواعدين و في مقدمتهم تيّار المستقبل المستفيد الأوّل من طرابلس خصوصاً والشمال عموماً كونه الممثل المعترف به عربياً للطائفة التي تنتمي لها المدينة وامتداداتها من مدن وقرى .
لن نقول في الحكومة الغائبة شيئًا طالما أنها غائبة وطرابلس لم تعط ثقتها لحكومة دياب وهذا بحد ذاته تأييد لصالح الحريري ولن نحملها مسؤولية ما يجري لأن مسؤوليتها على كامل تراب الوطن محصورة في عملية التسكير القسري وفي هذا خدمة لصالح السلطة التي تقطّع الوقت بحبس الناس في بيوتهم خوفاً عليهم من استكمال الثورة التي فضحت ثرواتهم .
إقرأ أيضا : تونس آخر معاقل الإخوان
في حين أن المسؤولية المباشرة تقع لا على وزراء ونواب المدينة فقط أو على رموزها بل ثمّة مسؤولية متعلقة حصراً بالرئيس سعد الحريري وبتيار المستقبل الذي يقف متفرجاً على أحداث ينتظر أن تأتي نتائجها لصالحه دون أن يدرك أن المسؤولية ليست في إنتظار النتائج للكسب السياسي بل في المبادرة لحماية الناس في المدينة من جوعهم وعوزهم وحرمانهم المزمن وهذا ما يكسب المستقبل رصيده الطائفي من خلال إهتمامه البشري بمحيط صاف لا يشاركه فيه أي لون آخر من ألوان الطوائف .
يبدو أن كثرة الإدانة أو قلتها لم تعد تفعل شيئًا مع الحريرية السياسية التي بلغت حد الصمم السياسي والطائفي ودخلت في حياد كلي لصالح الحاجة المنتفية طائفياً و لبنانياً اذ لا بديل حتى الآن عن تيار الحريري على المستوى الطائفي ومهما ضعف المستقبل في الحسابات السياسة التمثيلية للطائفة السنية إلاً أنّه يبقى الممثل الشرعي لها لفقدان وانتفاء البدائل بنظر الخارج والداخل وهذا ما كرّس سقوط المستقبل سياسياً بحيث أمسى تياراً كسولاً لا حيوية فيه ولا أدوار يقوم بها ولا يملك أي وسيلة من وسائل الرأي وأي آلية من الأليات الحزبية المتبعة بحيث أصبح كتلة جامدة باردة تتدرحرج وفق الحاجة لها من هنا أو من هناك لتلبي طموحات خاصة للعائلة المالكة وللشبكة المحيطة بها و لهذا تبقى بالنسبة للطوائف الأخرى ضرورة محلية لتغطية الميثاقية بقشرة طائفية سنية لا وزن لها .