مع إقفال البلد التام بسبب وباء الكورونا، والإنسداد الكامل لعملية تأليف الحكومة الجديدة، وبعد إلقاء اللّوم والمسؤولية على رئيس الجمهورية بالمقام الأول، رأى الرئيس عون أن يُوضّح موقفه لردّ غوائل اتّهمات التّعطيل السياسي، وتفاقم مشكلات الإنهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وللأسف الشديد لم يأتِ هذا التوضيح إلاّ ليزيد الأمور غموضاً وسوءاً، فالرئيس عون، بعد زلّة اللسان التي سُرّبت للإعلام واتّهامه الرئيس سعد الحريري بالكذب، وانقطاع الإتصالات بين الرئيسين، خرج بالأمس على اللبنانيين قافزاً فوق الحادثة، وكأنّها لم تكن، أو لا تستحق الإعتذار أو التبرير أو المواربة، لا بل عاد رئيس الجمهورية ليُكرّر مواقفه السابقة المعروفة، وأنّ الدستور أعطاهُ حقّ القبول أو الرفض لأيّة تشكيلة وزارية تُعرض عليه، طالما أنّ حقوق إصدار المراسيم موجودة في جيبه، ومن ثمّ حاول رئيس الجمهورية إبعاد تُهمتين تُلاحقانه على الدوام، الأولى خضوعه لمطالب الوزير السابق جبران باسيل، وابتزازه له، وإذ حاول عون نفي هذه التّهمة، إلاّ أنّها تهمة ثابتة على مدى العشر سنوات الماضية، وكان آخرها المؤتمر الصحفي للوزير جبران باسيل، الذي كال فيه الإتهامات للرئيس المُكلّف جازماً بعدم ائتمانه على تأليف الحكومة الجديدة، والتي ظهر فيها أنّه لن يتنازل (بواسطة عمّه الرئيس عون) عن "الحُصّة" المسيحية كاملةً، مع إضافة وزيرين كاثوليكي ودرزي، وهذه لربما هي العقدة الأساسيّة بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، أمّا نفي رئيس الجمهورية لأي علاقة أو تدخّل من قِبل حزب الله في عملية تأليف الحكومة الجديدة، فهو من قبيل المضحك المبكي، فلا أحد من المتابعين للوضع السياسي في لبنان، يمكن له أن يأخذ هذا الكلام على محمل الجد، ذلك أنّ حزب الله لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم في متابعة شؤون البلد السياسية، وخاصةّ ما يتعلق بتأليف الحكومات، وما زالت واقعة فرض تعيين وزير للّقاء التشاوري "السّني" في حكومة الرئيس سعد الحريري الأخيرة ماثلة في الأذهان، واليوم يريد رئيس الجمهورية أن يُقنع اللبنانيّين بأنّ حزب الله قد أراح واستراح في موضوع تأليف الحكومة الجديدة.
ردّ رئيس الحكومة المُكلّف بالسرعة العاجلة على بيان القصر الجمهوري عبر مستشاره الإعلامي، بتأكيده أنّ في حوزة رئيس الجمهورية تشكيلة وزارية كاملة قبل أسابيع، ولم يطرأ أيّ مُعطى جديد لدى الرئيس المكلف يستوجب إعادة النظر فيها، وكما ظهر من تصريحات المستشار فإنّ الرئيس سعد الحريري لن يصعد إلى القصر الجمهوري "صاغرا" كي يستمع إلى مطالب جبران باسيل وإملاءاته، تحت الحُجّة الواهية باعتماد المعايير الواحدة في موضوع تأليف الحكومة الجديدة، ومعايير باسيل كما يعرف الجميع ولا يتزحزح عنها: المحاصصات وجني المغانم ونهب المال العام (وهذا في سبيل تثبيت حقوق المسيحيين المهدورة)، وفي النهاية لا يجد اللبنانيون في يدهم سوى الريح، فلا حكومة ولا من يحكمون، وحرب البيانات اليوم بين الرئيسين عون والحريري لا تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً.