كنت واحداً ـ كما يظن ـ جهَّز نفسه وأعدَّها لتقديم أقصى ما يمكنه للدفاع عمَّا يعتقد في مشروعه السياسي الإسلامي، لأنَّ "ركائب النجاة" لا يركبها الراكب ـ كما قال الأشياخ الكبار ـ إلاَّ بالسير على طريقتهم ومنهجهم، وإن لم يحدِّثوك بذلك عبارة، حدَّثتك بالنيابة عنهم الإشارة".
ليست ثمة مبالغة، فيما لو قلنا بأنَّ مجتمعاتنا ـ بشكلٍ عام ـ تنظر إلى عموم المثقفين بعين الإزدراء ونبذهم، وكأنهم ـ قشة ـ في عيونها، وتضيق بهم ذرعاً وبآرائهم وتوجهاتهم، حتى تتم عملية إقصائهم، وبحملةٍ من جيشها المجنَّد تتم عملية الإساءة والتخوين والشتم والسب. هل أصبح المثقفون في لبنان المتنوع والحضاري الثقافي، عبئاً ثقيلاً في مجتمعاتهم وبيئاتهم، وأصبحوا خطراً في ثقافتهم وآرائهم ويجب التبرؤ منهم بشتى أنواع الوسائل والطرق؟.
إقرأ أيضا :الجماهير وحبال البطل....!
نقصد هنا ـ المثقفون ـ غير المؤدلجين، لأننا لا نبدي أية نصيحة للمثقف المؤدلج الذي يصر أن يصنع المستقبل الذي يعيشه بثقافته الماضوية، وبالتالي هي نتاج ثقافة سائدة وكثيرٌ منها غارقٌ في التهويمات المؤدلجة سواء القومية منها أو السياسية الدينية، منذ أكثر من خمسين عاماً، ويحاولون إعادة إنتاجها بقوالب عصرية إلاَّ أنها تحمل نفس المعطى والمضامين نفسها، ويبقى يحمل نظرية ـ المؤامرة ـ يعني يتآمر كل العالم على ثقافته وسياسته ومشروعه الإسلامي الواسع.
سابقة خطيرة ـ أن يحاكم كثيرون من مثقفين محترمين وعلماء تشهد لهم مدارسهم بالعلم والرأي والإجتهاد سواء بالفقه الإسلامي أو بالفقه السياسي، بالإتهام عبر الشتم والنيل من علمهم من جماعة غوغائية ـ كما وصفها أمير المؤمنين علي (ع) في "نهج البلاغة" أنه قال: "هم الذين إذا اجتمعوا غلبوا وإذا تفرَّقوا لم يعرفوا".
غيِّروا مصطلحاتكم وكتاباتكم وعباراتكم ـ طبعاً للمثقفين غير المنضوين والمحزَّبين والمؤدلجين ـ ومعهم غير الموظَّفين في السلطة من أشياخ ـ فبدلاً أن تخاطبوا القادة والزعماء في السلطة ـ الذين خلقهم الله ولم ينجب غيرهم، وانكسر القالب ـ لا نريد منكم عملية انتخابية حرة ونزيهة وشفَّافة، وقانون عادل يضمن حق المواطن، وسلطة ديمقراطية تعيد بناء الدولة والقانون، وقانون محاسبة المختلسين والسارقين والناهبين، خاطبوهم بمصطلح "القرعة" لأنَّ القرعة في المصطلح الإسلامي، "هي لكل أمرٍ مشكل" وهل هناك من مشكل أكبر من مشاكلنا التي نعيشها، فبالقرعة تحل مشكل الأمة ويعاد بناء دولة القانون والمؤسسات. هذه نصيحتي وسبيلي إلى كل مثقف حر، ولكنني لا أضمن السلامة لأحد، وعلى كل حال ـ كانت النصيحة بجمل، واليوم في لبنان بلا ثمن.