بحسب معلومات "الجمهورية"، الإنسداد الحكومي، اضافة الى بدء الحديث عن استحالة التعايش بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، وما رافق ذلك من دعوات للحريري الى الاعتذار وترك عون وفريقه تشكيل حكومة من طرف واحد، حرّكت في الساعات الاخيرة اتصالات سياسية على اكثر من محور، جوهرها تحذيري من المجازفة في الإقدام على خطوات متسرّعة من شأنها أن تُدفّع البلد اثماناً باهظة.
هذا في وقت، تردّدت فيه معلومات في الساعات الأخيرة عن محاولات موازية لتحرّك البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، يقوم بها وسطاء لإعادة استئناف اللقاءات بين الرئيسين. ولكن من دون أن تصل الى ايجابيات حتى الآن.
وتفيد معلومات "الجمهورية" من القيّمين على هذه الاتصالات التي شملت سياسيين وروحيين، بأنّ "الدافع لإجرائها بسرعة هو إحباط محاولة الرقص بالبلد على حافة الانتحار، وسعي البعض الى تسويق طروحات من شأنها أن تفتح البلد على فتنة طائفية ومذهبيّة وفوضى سياسية وغير سياسيّة".
فالوضع، كما يؤكّد هؤلاء في منتهى التوتر، يعززه امران:
الأول، هو أنّ تأليف الحكومة بات مسلّماً به بأنّه دخل مرحلة الاستعصاء الكامل، ذلك انّ عون والحريري ثابتان على ذات المنحى الذي سلكه كل منهما منذ تكليف الحريري تشكيل الحكومة في 22 تشرين الاول الماضي. وكلاهما رافض للتنازل او التراجع عن طروحاتهما. وهذا المنحى يعكس بشكل لا يرقى إليه الشك، بأنّ لا رغبة لدى أيّ منهما في تشكيل الحكومة، وكل منهما متسلّح بأسباب مرفوضة من قِبَل الطرف الآخر.
والثاني، هو أنّ بعض الغرف المحيطة ببعض النافذين تدفع الى تلك الخطوات الانتحارية، افتراضاً منها أنّها ستشكّل عامل ضغط قد يدفع الرئيس المكلّف الى الاعتذار والتخلّي عن التكليف، ما قد يفتح الباب أمام تكليف شخصية سنيّة بديلة عن الحريري، يسهل التفاهم بينها وبين رئيس الجمهورية على تشكيل حكومة وفق المعايير التي يحدّدها، وسبق للرئيس المكلّف ان تجاهلها.
وعلى ما يقول لـ"الجمهورية" مسؤول كبير كان حاضراً بزخم في حركة الاتصالات هذه خلال الساعات الماضية، فإنّه "لم يعد السكوت جائزاً على رهن البلد لمخيّلات تخريبية تتناسى "التأليف" دخل مرحلة الاستعصاء الكامل...الطبيعي أن يخلو المسرح امام هذه المخيّلات لتستبيح الحرمات والمحرّمات".
ويلقي المسؤول عينه على حافتي التأليف، ما يسمّيها "تنبيهات"، من اي خطوات تتجاوز تركيبة البلد وتوازناته وفيها:
اولاً، انّ الرئيسين عون والحريري محكومان بتأليف حكومة، حتى ولو كان ذلك خلافاً لمشيئتهما، وليس امامهما سوى هذا السبيل. وهذا ما توجبه تطورات الداخل والانهيارات على كل المستويات، وكذلك التطورات الخارجية التي تضع المنطقة كلها وسط احتمالات حربية رهيبة، تنذر بها الحرب الكلامية والتهديدات بين الولايات المتحدة الاميركية وايران، وليست مزحة على الاطلاق العودة الاميركية الى تحريك قاذفات الـ"بي 52" وارسالها الى الخليج، وكذلك الكشف الايراني في الساعات الماضية عن صواريخ بعيدة المدى تحت الارض.
ثانياً، انّ محاولة دفع الرئيس الحريري الى الاعتذار، تنطوي على بُعد استفزازي ليس للرئيس المكلّف وتياره السياسي، بل للطائفة السنّية بشكل عام. ومن شأن ذلك أن يرتب احتقاناً لا تُحمد عقباه. علماً انّ هذه المحاولة ساقطة سلفاً، اولاً لأنّ الحريري يدرك انّ ورقة التكليف هي الورقة القوية التي يملكها، إن تخلّى عنها يخسر كل شيء ويحقق للفريق الداعي الى اعتذاره نصراً مبيناً عليه، علماً انّ الحريري وكما هو مؤكّد، ليس في وارد الاعتذار اصلاً، وهو ما تبلّغته مستويات سياسيّة مختلفة. وثانياً، لتعذّر وجود بديل عن الحريري، هذا في حال اعتذاره، ما قد يدخل لبنان في ازمة لا نهاية لها.
ثالثاً، انّ طرح تشكيل حكومة من طرف واحد، على ما تدعو اليه بعض الاصوات، هو طرح ساقط سلفاً أيضاً، حيث لن يكون في الإمكان تشكيل مثل هذه الحكومة بأي شكل من الاشكال، وخصوصاً انّ اطرافاً اساسية في البلد ترفض هذا المنحى بشكل قاطع، وقد سبق للرئيس نبيه بري ان اعلن انّه لا يمكن له ان يمشي بحكومة من طرف واحد، وكذلك فعل الوزير السابق سليمان فرنجية. وكما هو معلوم، انّ حكومة اللون الواحد هي حكومة صدام داخلي، وكذلك هي حكومة الحصار الخارجي للبنان واقفال كل الابواب في وجهه، ولن تكون للبنان قيامة معها، فهل هذا هو المطلوب؟