هل إنّ تغريدة الرئيس ميشال عون، ردّاً على قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني علي حاجي زاده، والتي استكملها «التيار الوطني الحرّ»، قيادة وكوادر ومحازبين، كانت من باب رفع العتب، أم إنّها مؤشّر إلى تشققاتٍ بدأت تظهر في «تفاهم مار مخايل»؟
في تقدير كثيرين، أنّ مواقف «التيار» التي عبَّرت عن اختلاف عن «الحزب»، أو عن خلافٍ معه، لم تكن حتى اليوم سوى مناورات يريد منها إما تنفيس الاحتقان السياسي ومراعاة المزاج المسيحي، واللبناني عموماً، وإما تقديم براءات ذمَّة إلى واشنطن، في محاولة لفرملة العقوبات.
ويعتقد هؤلاء، أنّ «حزب الله» يحبِّذ تَظهير هذا النوع من التباين بينه وبين «التيار»، أولاً لكي يُثْبت للرأي العام في الداخل، أنّ شريكه المسيحي ليس مُكْرَهاً في خياراته التحالفية. وثانياً، لكي يتمكن هذا الشريك من الاحتفاظ برصيده الدولي والعربي. ويحتاج «الحزب» إلى الرصيد المسيحي مع الغرب لاستخدامه كوسيط، تماماً كما يحتاج إلى رصيد الحريرية، السُنّي، لاستخدامه في التعاطي مع الخليج العربي.
لذلك، في نظر بعض المتابعين، هناك تفاهم ضمني بين الطرفين على أن يحتفظ «التيار» بهامش معين، حدوده العناوين التي لطالما نادى بها، والمتعلقة خصوصاً بالسيادة والتوازن الوطني والدور المسيحي.
فهذا الهامش يخدم «الحزب» ولا يزعجه، ما دام «التيار» يلتزم الاصطفاف السياسي المطلوب، مع الإشارة إلى أنّ الملفات الأكثر سخونة، كسلاح «الحزب» وانخراطه في الساحات الإقليمية، لم تعُد مطروحة للبحث أساساً، وحتى إشعار آخر.
ويحرص كوادر الطرفين، عند استيضاحهم حول هذه النقطة، على القول: نحن لسنا حزباً واحداً لتكون لنا وجهات نظر متطابقة. والتحالف بيننا، أو التفاهم، محصور بالمسائل الوطنية الأساسية. وهذا لا يمنع الاختلاف في الكثير من التفاصيل.
تقول مصادر «التيار»: «معلوم أنّ كلاً منّا ينطلق من بيئة مختلفة، وتجربة مختلفة، ورؤى وطنية مختلفة. لكن، أهمية التفاهم تكمن في أنّه وضَع الاختلاف في إطار وطنيّ بنّاء، ويخدم الاستقرار. ولذلك، هو سيبقى حيوياً لضمان السلم الأهلي، ونحن عملنا على تعميمه وتوسيع إطاره ليشمل الجميع».
ومن هذا المنطلق، ترفض المصادر صيغة السؤال المطروح: هل أنتم في صدد التمهيد للخروج من وحدة المصير والمسار مع «الحزب»؟ وتقول: «لسنا أساساً متلاحمين كما يجري تصويرنا. وفي المقابل، مَن يراهن على تنافرٍ بيننا سيحصل على الوهم. فكلانا ندرك أنّ المصلحة الوطنية تقتضي أن نحافظ على التفاهم».
ولكن، ثمة مَن يطرح السؤال: بمعزل عن رغبة الطرفين المؤكّدة في الحفاظ على التحالف، هل يمكن أن تطرأ تطورات تؤدي إلى إضعافه أو انهياره؟
بعض المحللين يعتقدون أنّ هناك عوامل عدّة ستتحكّم بالواقع اللبناني في المراحل المقبلة، ولا يمكن عزلها. وعلى الأرجح، ستؤدي إلى خلط للأوراق والأدوار والمواقع في البلد، وأبرزها:
1 - الضغط الأميركي خصوصاً، والدولي والعربي عموماً، على لبنان من أجل إضعاف «حزب الله» ورفع نفوذه عن السلطة المركزية. ويتردَّد أنّ هذا الضغط سيشهد تصعيداً واسعاً ومباشراً في المرحلة المقبلة، ويستهدف «الحزب» وحلفاءه وسائر أركان السلطة والقوى السياسية على خلفية رضوخها لهذا النفوذ.
والعلامات الأولى لهذا الضغط ظهرت في العقوبات على رئيس «التيار» جبران باسيل في تشرين الثاني الفائت. وهذه العقوبات هي إنذار مبكّر لدفع عون و»التيار» خارج التحالف مع «الحزب»، كما أكّد باسيل نفسه، أي إنّ الأميركيين يستخدمون القاعدة القائلة: «الدقّ يَفكُّ اللِحام».
2 - إقتراب الاستحقاقات الدستورية المفصلية في العام 2022 (الانتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية، وطبعاً حكومة جديدة). وهذه الاستحقاقات ستكون ورقة ضغط في أيدي الأقوياء في الداخل، يستخدمونها للمساومة على كل شيء. وخلالها قد يصبح شعار كل طرف «يا ربّ نفسي». وهذا ما يدفع كلاً من طرفي «التفاهم» إلى إعادة ترتيب الأولويات التحالفية على أسس مصلحية جديدة.
3 - كثيرون يتوقعون أن يتجّه لبنان، في ضوء هذه التطورات والتحوّلات الشرق أوسطية، إلى مرحلةٍ مفصلية يتغيّر فيها نظامه، أو حتى صيغته الحالية. وفي هذه الحال، قد تستنفر العصبيات الطوائفية والمذهبية، وتصبح لها الأولوية على التحالفات السياسية.
فإذا اقتضت المرحلة تلاحُماً استثنائياً للثنائي الشيعي، في مواجهة التحدّيات التي سيتعرَّض لها، هناك مَن يعتقد أنّ الطوائف الأخرى قد تتلاحم أيضاً أو تجد أطراً جديدة للتنسيق بين أركانها. وسيكون «التيار الوطني الحر» أمام هذا التحدّي أيضاً، ما يمكن أن يخلط الأوراق رأساً على عقب.
قبل اليوم، اختلف «الحزب» وعون على تركيبة الوفد إلى مفاوضات الناقورة. وقبل ذلك، مرَّ باسيل بتجارب مماثلة مع «الحزب»، في فترات مختلفة، وقيل أحياناً إنّه مضطر إلى إرسال إشارات التطمين إلى الأميركيين، لعلّهم يفرملون العقوبات الآتية نحوه، وأنّ «الحزب» يتفهّم هذه الضرورة.
وفي الخلاصة، ربما كانت انتقادات عون وباسيل لـ»حزب الله» أو لإيران، حتى اليوم، «نِصفُها جِدّي ونِصفُها مناورة». ولكن، على الأرجح، يَصعُب أن تستمرَّ كذلك.