بداية أوجّه تحيةً من لبنان الذي نحلم به جميعاً، لبنان الرسالة لبنان الوطن والدولة والعيش المشترك.
تحية لبيروت، لبيروت الجريحة، والشمال والجبل والبقاع والجنوب وكل زاوية من لبنان. تحية لكل الحالمين بوطن طال الوجع فيه.
تحيةُ لبنان الذي أقسمنا بشرقه وجنوبه وشماله وغربه وجباله وبكل مكوناته وجهاته، مسيحيين ومسلمين.
وبعدُ أقول أن الوالد العلاّمة السيد علي الأمين وهو من سعى ويسعى لإطفاء الفتن المذهبية المتنقلة في لبنان والعالم العربي والإسلامي، وعمل ويعمل على مدّ جسور الأخوة بين المسلمين و المسيحيين، و بقي يحمل معوله ليهدم الحواجز المصطعنة بين اللبنانيين .. وهذا أمر يقرُّ به الكثيرون من اللبنانيين وفي العالمين العربي والإسلامي حتى منهم ممن يخالفونه في الرأي ويكابر على ذلك آخرون.
بالنسبة للدعوى الادعاء المقام ضد الوالد، هو ادعاء فيه تحريض على الجريمة وقبوله هو قبول لهذا التحريض على الجريمة ضد المختلفين بالرأي. العلاّمة السيد علي الأمين في مؤتمر البحرين، كان يحضر حواراً للأديان فيه من كل الأديان والثقافات ولم يكن يجري مفاوضات لا سياسية ولا غيرها مع العدو الإسرائيلي لترسيم الحدود مع دولة إسرائيل كما قال وفعل بعضهم.
وأما الادعاء على العلاّمة الأمين بإثارة النعرات الطائفية وإثارة و تحقير الشعائر الدينية فإنّه مما يضحك الثكلى والصغير والكبير على مدى العالم العربي و المسيحي والإسلامي.
للحقيقة ما حصل ويحصل على مدى شهور من تحريض مباشر على سماحة الوالد العلاّمة السيد علي الأمين، هو أمر دبر في ليل، وهو تحريض على الجريمة بحقه وهو تعدّ على اللبنانيين الأحرار، الذين يحلمون بوطن ودولة ومؤسسات، في أبشع صورة تشويهية وتوريط للقضاء والمؤسسات، لم يشهدها لبنان في تاريخه الديني والأخلاقي والسياسي، حيث يتعرض لأشرس حملة تشويهية من قبل ظلاميين، تحريضاً ممنهجاً على الجريمة.
وكان يفترض في الأصل أن لا يقبل القضاء الخضوع للتحريض الممنهج على الجريمة الذي استمر على فترة شهور بحق سماحة الوالد، بل أن يكون مانعاً لهذا التحريض الممنهج على الجريمة والتحريض المؤدي الى الجريمة والجريمة من أصلها.
لقد ربيت وتعلمت في بيت أبي أن أؤمن أن حق الشيعي لا معنى له، إن لم يصل الحق لأخيه السني والدرزي والأرثوذكسي والماروني والكاثوليكي والأرمني والعلوي وكل لبنانيّ. وغير ذلك هو خلاف صارخ لقول رسول الله محمد: (ما آمن بي من بات شبعانَ وجارُه جائع).
تقدمت الدول بمحاربة خطاب الكراهية، وأولى أن تقوم به الفئات التي تدّعي التديّن، وتشنّف أذان الناس بقول رسول الله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، والقرآن الذي يقول: (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين….. ولا تجسسوا .. ولا تنابزوا بالألقاب…)، فإذا بهذه الفئات تستخدم خطاب الكراهية ليل نهار في التحريض على الوالد … وقد ورد في الحديث النبوي: من خاف الناسُ لسانَه فهو من أهل النار) فكيف بمن خاف الناسُ سلاحه؟ هذا عداك عمن يفتك الناس بسلاحه. ورد في الحديث: شر الناس من أكرمه الناس اتقاء شره)
ألم تشبعوا بعدُ من تهجير السيد علي الأمين وعائلته وأكل لحمه على مدى اثني عشر عاما ً؟ وهو الذي لم يدخر جهداً في تجنيب لبنان و اللبنانيين في أنحاء العالم، كل المآسي والويلات والتجارب التي تعلمونها ولا تعلمونها وتعلمون نتائجها ولا تعلمون نتائجها، حتى وصلت الحال إلى ما وصلت إليه حال هذا الوطن المكلوم المقهور!
لقد استهوتهم شهوة السلطة والسلطان، وهي شهوة من الشهوات، أخلدوا فيها وجوههم الى الأرض فأعرضوا عن كل نصح. هو لتخويف الناس، من بني وطنهم ومحيطهم… هل هذا ما أصبحتم تعيشون عليه؟ هذا الأمر الذي قاموا به على مدى سنين، هو رسالة أنه إذا فعلوا بالسيد علي الأمين هكذا، هذه الهامة الفقهية والعلمية والوطنية والعربية والإسلامية والإنسانية، فسيقول آخرون ماذا سيفعلون بنا!!! … كانت تلك خطوة لثني الناس وتخويفهم بالبطش والديكتاتورية وتحريف الحقائق والاتهامات الباطلة.
إن البطش والديكتاتورية لا يجلبان إلا المآسي الداخلية والخارجية وكل تسلط زائل، وكل ظلم ظلمات يوم ينادي الظالم بالحسرة. متى كان حوار الأديان حراماً؟ هذه محاكمات ميدانية تبدأ بتكثيف التحريض على الجريمة، ويحاول مُكثّف التحريض فيها إخضاع المؤسسات لهذا التحريض، وبالتالي شلّ هذه المؤسسات عن دورها الأساس، الذي هو وقف التّحريض على الجريمة وتحوير دورها.
وأزيد، إن ضعف الدولة والسلطة اللبنانية وسكوتَها وسكوتَ المسؤولين فيها عن حصر السلاح بها وعن الفساد في مؤسساتها وسكوتَ مسؤوليها عن تسلط الأحزاب والزعامات عليها وعلى مقدراتها وعلى سلطتها الكاملة، التي يجب أن تكون كما في كل الدول في أوطانها، والإمتناع عن قيامها بواجباتها والخضوع لصالح ضغط الدويلة، سيؤدي إلى استضعاف المهاجر والمغترب اللبناني في قارات العالم من أفريقيا إلى آسيا إلى أوروبا إلى الأمريكيتين وغيرها وغيرها.. إنها جريمة بحق اللبناني وسمعته وانجازاته وصيته بين الأمم.
هذا السكوت: أُخرج والدي من الجنوب منذ اثني عشر عاما من الجنوب بقوة السلاح وصودرت مكتبته وكتبه وسكت القضاء، وتم تهجيره في وطنه على مدى هذه السنوات، والتسلط بالسلاح عليه من الذين يفترض بهم حفظ القانون ومنع الاعتداء على المواطنين، ثم يهاجمونه على حوار الأديان الذي هو رسالة لبنان .
إنّ عسكرة المذاهب والأديان، هو خطر كبير على الرسالات السماوية… ونرى البعض أنه يرفض الإجرام مثلا ضد المقتولين ظلما باسم الإسلام في نيس وغيرها من أصقاع الأرض، من هذه الأحزاب الدينية المسلحة… هل تدينون هذه الجريمة وتقولون أنّ الإسلام يرفضها ويرفض التحريض عليها … ألا يرفض الإسلام التحريض على الكراهية ثم التحريض على الجريمة ليل نهار، بحق أستاذكم وأستاذ كثيرين منكم، السيد علي الأمين، ومن قبل الدوائر المقربة منكم وفرق “الأهالي” المدربة؟
هذا الادعاء هو في الأصل كان يجب أن يُرفض وهو جناية أخلاقية وأنتم تدينون أنفسكم بهذا التصرّف وإن أهل الأديان والرسالات من المسيحيين وغيرهم من رجالات الدّين ليخجلون أن يتعاملوا مع علمائهم ومن درسوا عندهم هكذا وأن يتطاولوا بهذه الطريقة الرخيصة على العلماء فضلا على من تلقوا علوماً عندهم.
إنّ ميداننا الأول هو أنفسنا، فإن قدرنا على بنائها على قيم العدل والمحبة والتسامح والإحترام قدرنا حينئذ على بناء وطننا وبناء إنسانه والقيام بحقوقه، وكنا على رسالته وغير ذلك أقدر، وإن عجزنا عنها كنا على غير ذلك أعجز، وغير ذلك تضليل. لم تكن الميليشيا والمافيا لتتغوّل على الدولة في لبنان لولا وجود أيدٍ من داخل الدولة تساعدها على ذلك.
أنا كنت حاضراً في مؤتمر حوار الأديان في مملكة البحرين برفقة سماحة الوالد، وهو مؤتمر ديني حضرته ملل وأديان، مسلمونَ ومسيحيونَ، ويهودُ وبوذيون، وسيخ وهندوس وبهائيون، وأرثوذكس وكاثوليك وممثلو البابا تواضروس عن الكنيسة القبطية في مصر، وسنة وشيعة ودروز، ورجال دين شيعة من البحرين، وحضر من مصر ولبنان والأردن وفلسطين وعدة دول، وكان حاضرا من لبنان السفير اللبناني في البحرين الأستاذ ميلاد نمور، وزوجة النائب فؤاد مخزومي رئيسة مؤسسة مخزومي، والمطران اللبناني نيفون صيقلي، وسفير مصر والأردن وسفير فلسطين، ومفتي المسلمين في روسيا وممثلين عن مفتي فلسطين الخ الخ … هو حوار أديان وثقافات ولا علاقة له بالسياسة والمفاوضات ولا عقد الاتفاقات، إنما هو نشر رسالة لبنان بأديانه وطوائفه في مقابل العنصرية الأحادية … وإلا فلينسحب لبنان من المؤسسات الدولية ومن الأمم المتحدة وغيرها ولتعلن الدولة ذلك …
وبالنهاية عندما تذهب لدعوة ما كالمناسبات الإجتماعية وغيرِها، فإن الداعي لا يعطيك لائحة بالمدعوين ولا تعلم من هم الحضور ولا جنسياتهم وتتكلم فكرك وكلمتك … وقد انبهر الحضور بكلمة الوالد سنة وشيعة ومسيحيون وسيخ وهندوس وبوذيون وجاؤوا ليسلموا على الوالد، إذ لم يسمعوا أن اللبنانيين أو الشيعة هكذا يتكلمون، فهم لا يسمعون إلا لغة التهديد والوعيد من فئات لبنانية … وقد أصدر مكتب سماحة السيد الوالد بيانا حول هذا الأمر في ذلك الحين يمكن العودة إليه والاطلاع عليه … أما سبب الحملة فواضح اغتيال معنوي مقدمة لاغتيال آخر …
هي حملة تحريض على الجريمة بدأت ببيان صادر عن منظمة حزب الله وعن كتلتها النيابية وبتهييج فرقة “الأهالي” من الذباب الإلكتروني وبكل الوسائل المتاحة من استخدام مخبرين وغيرها في محاولات لفصل الوطنيين عن بعضهم في كل الطوائف بتخويفهم للانكفاء إلى طوائفهم ، ولا تزال هذه الحملة ولم تنته، ولكن للأسف هذه الأخلاقيات الّتي وصلوا إليها وكما يقول أحمد شوقي:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتماً وعويلا
أحب أن أذكر بما قاله الإمام السيد موسى الصدر سنة 1977: “ولا أظن أن اللبنانيين، بعد التجارب المريرة التي عانوها، لا يعودون الى الصراط المستقيم، والطريق القويم، طريق التعامل، طريق الأخوة، طريق الخضوع لسلطان الدولة، طريق الحوار باللغة، بالكلمة، بالمخاطبة، بالاقناع، وليس طريق فرض الموقف والآراء بالقوة وبالسلاح”.
هو كان يريد أي يخضع الجميع للدولة وأن ينادوا بها وكان يريد سلاح المقاومة أيضا أن يكون تحت سلطان الدولة. أما ما يحصل الآن هو فرض للموقف والرأي بالقوة والسلاح. لذلك وجب وضع هذا السلاح مهما كان لونه وشكله وانتماؤه تحت سلطة مؤسسات الدولة أوّلاً، وبعدها فليتكلموا عن المؤسسات و المواطنة والدولة المدنية و القضاء والشراكة و المشاركة ..
إن الأحزاب أصغر من الطوائف، والطوائف ليست مُلكاً للأحزاب والوطن أكبر من الإثنين وعلينا أن نجعل المواطن أولاً.
وأُذكّر أيضا بموقف الكاردينال البطريرك الراعي حين أطلق صرخته عن كل اللبنانيين في قضية التحريض والتجني على سماحة العلاّمة السيد علي الأمين: لا يسعنا إلا التّعبير عن أسفنا لرؤية رجل دين معروف بوطنيته وحرصه على العيش المشترك، واحترامه لكل دين وطائفة وإخلاصه للبنان، يُستدعى أمام القضاء لمجرد إبلاغ معروف مصدره وغايته، أبهذه البساطة أصبح يتحرك القضاء عندنا!!!…”
إنّه إخبار فتنوي رخيص وتحريضي وتفتيتي ومثير للنعرات ومسيء للمقامات الروحية، ومسيء لرسالة لبنان بين الأمم ومسيء للقضاء.
وأُذكّر بقضية الشهيد الأول الفقيه محمد بن جمال الدين بن مكي العاملي الجزيني : في وقتها وقع ثمانون شحصا من وجهاء ومخاتير النبطية وما حولها وألف شخص من الساحل بسبب كرههم السياسي له وحسدِهم له، وقعوا على صحيفة يشهدون بها على انه مرتبط بالمماليك الاتراك (مثل ادعاء تهمة العميل) و يسب الخلفاء والصحابة ويفرق كلمة المسلمين ويشق صفوفهم ( مثل ادعاء اثارة النعرات والتحريض بين الطوائف ضد سماحة السيد علي الأمين)، مع أن ما كان يقوم به العكس – رمتني بدائها وانسلّت – …أدى ذلك الى اعتقاله من السلطات وسجنه وقتله وصلبه وحرقه فيحمل الوشاة دمَه إلى يوم القيامة …
هل هذا ما تفعله هذه الأحزاب الدينية و “حزب الله” بالتحريض على الفقيه الكبير السيد علي الأمين، بتحريك الالاف من الذباب الالكتروني والجهلاء ورمي التهم والوشايات عليه لتشويه صورته والافتراء عليه والتحريض عليه؟ وهل إذا تكلم العقلاء وقتها هل كان تم إباحة دم الشهيد الأول؟
يتباكى بعضهم ويحرك الغرائز على كمّ الشتائم على وسائل التواصل والإعلام …بينما موظفوه المبرمجون والمنظمون، الخاصة والمحزبين والعامة منهم، ليل نهار، وجيوش الكترونية موظفة، لا يتركون عِرضاً لمعارض ومختلف بالرأي إلا وينتهكونه بالتخوين والاتهامات والانتهاكات والشتائم والفحش وبذاءة اللسان والتهديد والتجبر وقلة الأدب والتوقير في كل وسائل التفاصل من السوشال ميديا والإعلام والصحافة الصفراء… الفحش ليس فحش اللسان فقط .. هذا الأسلوب الذي علمته الأحزاب لهذه الأتباع سيرتد عليها لأنها شرعنته لأتباعها.. أليس كلّ ساقٍ سيسقى بما سقى؟ أين الدرس الأساس: الإحتياط في الأموال والدماء والأعراض؟ وكما يقول العلاّمة السيد علي الأمين: من عجائب الأمور وقاصمات الظهور، الإحتياط في المستحبات والمكروهات، وترك الإحتياط في دماء الناس وحرماتهم وأموالهم ..
لقد أنست الطبقة الحزبية الميليشيوية والدينية التي تحت سيطرتها، التي تتدثر بالتشيع كتدثر العباسيين بشعار (الرّضا من آل محمد) لإحكام السيطرة وتسلق السلطة حينها، أنْسَتْ المجتمعَ الرسالي ذا الدور التوحيدي ولملمة التشتت، في طريقها للصراع على السلطة والولع بالديموغرافيا والسيطرة، أنسته مبادئَ الإمام علي عليه السلام الذي قال:
(لأسلّمن ما سلمت أمور المسلمين ولو لم يكن جَورٌ إلا عليّ خاصّة) وقال: (دعوني والتمسوا غيري .. أنا لكم وزير خير لكم مني أمير ) ..
فازدادت الانقسامات وزينوا الإنحدار المجتمعي وأعطوا صورة، ستكون مؤقتة بإذن الله، مشوهة عن الشيعة بأنهم فئة تقلق من يسكن بينها ويجاورها ويصعب العيش معها بعد أن كانت تعاليم أهل البيت عليهم السلام لهم ظاهرة في سلوك أئمتهم ومراجعهم: (شيعتنا سلمٌ لمن خالطوا، بركةٌ على من جاوروا، وإذا غضبوا لم يظلموا) .
هذه الطبقة أمام أمرين:
إما أنّ ما قاله الإمام علي وأهل البيت، تعتبره هذه الطبقة بينها وبين نفسها خاطئا، من خلال اعتباره ضعفاً، وأنها تقدمت عليهم في طروحاتها، وهذا ضرب من الجنون، وقسم من هؤلاء الذين في السلطة يعظون أنصارهم ومخالفيهم باتباع هذه الطريقة تخفيفا عن الضغط عنهم واستئثاراً بحلاوة ما يدره التسلط عليهم…
وإما أنها تعتبره صحيحاً، فهي تخالفه صِراحاً، وتجدُ المعاذير للصراع على السلطة، وتجعل نفسها وحدة قياس وليس أهل البيت عليهم السلام.
نسأل الله أن ينقذ وطننا لبنان وأن تسود وتعود لغة العقل والحوار، لا لغة الاستقواء والتخوين لنراه مزدهراً في حياتنا وحياة أبنائنا ليعود إلى دوره بين الأمم.
السيد حسن الأمين