أقل من ثمانية واربعون ساعة وتنقضي سنة 2020 بكل ازماتها المتناسلة ،وبأهوالها ومآسيها، فيما اللبنانيون غارقون في بحر أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية، على وقع اتساع الهوة وانعدام الثقة بين المعنيين بعملية تشكيل الحكومة التي أضحت في عالم الغيب، مع انقطاع الاتصال بين الرئيس المكلف سعد الحريري الموجود في الخارج ورئيس الجمهورية ميشال عون المتمسك بشروطه وفي مقدمها الحصول على الثلث المعطل الذي يشكل جوهر الصراع القائم بين الفريقين. ولا تتوقع أوساط سياسية أي انفراجة حكومية في المدى القريب، طالما بقيت المواقف المتشنجة على حالها، ولم يحصل تنازل من الأطراف المعنية بالتأليف، وتحديداً من جانب رئيس الجمهورية الذي لا يعطيه الدستور الحق، ولا لغيره حق الحصول على الثلث المعطل الذي لا ذكر له إطلاقاً في اتفاق الطائف، بقدر ما يشكل اعتداء صارخاً على الدستور وعلى وثيقة الوفاق الوطني، لا ينبغي تعطيل تأليف الحكومات للاحتفاظ به، كسلاح للإمساك بقرار مجلس الوزراء وتسخيره لمصلحة طرف ضد الاخرين .
ومع ارتفاع وتيرة الكباش الأميركي الإيراني، فإنه يبدو أن الواقع الحكومي كما تقول الأوساط، بات أكثر تعقيداً وتأزماً، في ظل توجه حلفاء طهران إلى تعطيل التأليف، استجابة للأجندة الإيرانية التي تستخدم لبنان ورقة على طاولة المفاوضات المرتقبة مع الأميركيين، وتذهب أبعد من ذلك لتقول أن أبواب التشكيل مقفلة بالكامل، بعدما ظهر بوضوح أنهم لا يريدون حكومة اختصاصيين، وإنما حكومة سياسية تشكل لهم أداة لتنفيذ مخططهم بالاستيلاء على القرار الحكومي.
ولهذا رفضوا التشكيلة التي قدمها الرئيس المكلف للرئيس عون الذي لا يبدو أنه في صدد التعاون مع الرئيس الحريري لتسريع الولادة الحكومية، طالما أن التشكيلة لا تتوافق مع رؤيته للحكومة الجديدة التي لا يزال مصراً على أن تكون سياسية أو تكنوسياسية بالحد الأدنى، خلافاً لما تقوله المبادرة الفرنسية .
وتتحدث الأوساط المتابعة، نقلاً عن مصادر دبلوماسية عربية وغربية معتمدة في لبنان، استياءها من تعمد أطراف لبنانية وضع العراقيل أمام مهمة الرئيس الحريري الإنقاذية، في إشارة إلى رفض الرئيس عون للتشكيلة التي قدمها الرئيس المكلف، مع ما يشكله ذلك من تهميش للمبادرة الفرنسية المدعومة عربياً ودولياً ولما لذلك من ارتدادات خطيرة على الساحة اللبنانية، باعتبار أن هذه المبادرة هي الوحيدة الموضوعة على الطاولة لإخراج البلد من أزماته. ولا بد من تضافر الجهود لدعمها سعياً لتجاوز المأزق الذي يواجهه لبنان، مع غياب أي دعم خارجي، الأمر الذي يفرض على المسؤولين اللبنانيين تجاوز مصالحهم الذاتية ووضع مصلحة البلد أولوية على ما عداها .
إقرأ أيضا : زيارة الحريري إلى بعبدا هل ستنتج حلاً
الأوساط المتابعة تتوقع أن يعمد فريق العهد وحلفاؤه إلى زيادة الضغوطات على الرئيس المكلف في المرحلة المقبلة، بهدف دفعه إلى الرضوخ لشروطهم، والتسليم لهم بالثلث المعطل والوزارات التي يريدونها وتفوق الخمس حقائب. وهو ما سيزيد حدة الكباش الداخلي بشأن الحكومة الجديدة، بما قد يدخل التأليف في نفق قد لا يخرج منه، إلا باتخاذ الرئيس المكلف خطوة يعمل تجنبها طويلاً، لأنه استناداً إلى المعلومات المتوافرة لا يمكن أن يقبل بمطالب الرئيس عون وحلفائه، باعتبار أنها أكبر من قدرته على التحمل، وهو مصر أكثر من أي وقت مضى على عدم تسليم الثلث المعطل لأي طرف، لأن ذلك مخالف للدستور، ويحمل في طياته مخاطر تفجير الحكومة في أي وقت .
من جهته الرئيس المكلف يتسلح بالاضافة إلى ما يمنحه الدستور من صلاحيات في عملية التأليف غير المحددة بزمن، بدعم عربي ودولي أساسه المبادرة الفرنسية التي يحرص على التمسك بها، من أجل تنفيذه في إطار تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، قادرة على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية، على غرار التشكيلة التي قدمها لرئيس الجمهورية، وهو لن يحيد عن هذا التوجه ولن يشكل حكومة إلا وفق هذا المعيار مهما كابروا وتصلبوا، فلن تخرج لبنان من هذه الورطة، إلا حكومة وفق المعايير التي يضعها الرئيس المكلف .
وهذا يعني ان ملف تشكيل الحكومة، دخل في إجازة أقله حتى مطلع السنة المقبلة 2021، من دون معرفة المسار الحكومي، ما دامت وحدة المعايير لم تحضر، وفقاً للمصادر القريبة من بعبدا، أو ما دام فريق القصر يُصرّ على تجاهل الدستور والدور الدستوري والميثاقي في تأليف الحكومة .
ان الدستورواضح وضوح الشمس وكفى مناورات .
ووفقاً للمعلومات المتداولة، فإن المشهد بات قاتماً، وان فريق بعبدا ادخل عملية التأليف في مأزق التعطيل العام، ربما لكل مؤسسات الدولة، في ظل عدم تجاوب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب من توسيع عملية تصريف الأعمال، أو عقد أي جلسة لمجلس الوزراء المستقيل .
وبناءً على هذه المعطيات لا يمكن ان يتوقع احد تشكيل الحكومة العتيدة في وقت قريب، وما يقود الى هذه التوقعات السلبية لا يُحصى ولا يتسنى لنا الاطالة وللحديث صلة .