لأول مرة، تمكّن فريق بحثي من عدة جامعات أميركية من رصد دورة كاملة لأحد أصغر أنواع الانفجارات الشمسية، الأمر الذي يمثل قفزة في الطريق نحو الإجابة عن أهم سؤال في نطاق فيزياء الشمس منذ أكثر من 50 سنة.
الانفجارات الشمسية متناهية الصغر (Nanoflares) ليست -في الواقع- صغيرة بالنسبة لنا، حيث يساوي الواحد منها ما مقداره انفجار 10 آلاف قنبلة نووية دفعة واحدة، لكن مقارنة بالانفجارات الشمسية المعروفة (Solar Flares)، فإنها صغيرة جدا في الحجم والقوة.
اكتشفت هذه النوعية من الانفجارات في سبعينيات القرن الماضي، حيث وجد العلماء أنه على الرغم من أن الانفجارات الشمسية المعتادة لا تحدث بشكل منتظم، حيث قد تمر أسابيع أو حتى شهور دون أن نشهد واحدا منها، إلا أن الانفجارات الشمسية متناهية الصغر تحدث طوال الوقت.
صغائر الشمس
لدراسة الانفجارات الشمسية متناهية الصغر، استخدم هذا الفريق البحثي اثنين من أدق المراصد الشمسية في التاريخ، الأول هو "آيريس" (IRIS)، وهو قمر صناعي يختص بدراسة طبقات سطح الشمس، والثاني هو مرصد ديناميكا الشمس (Solar Dynamics Observatory) -"إس دي أو" (SDO)- والذي يهدف لدراسة محيط الشمس وليس سطحها نفسه.
وبحسب الدراسة، التي نشرت في دورية "نيتشر أسترونومي" (Nature Astronomy) وأعلنت عنها وكالة الفضاء والطيران الأميركية "ناسا" (NASA) في بيان صحفي رسمي صدر في 23 كانون الأول الجاري، فإن "آيريس" ساعد هذا الفريق البحثي لإيجاد انفجار شمسي متناهي الصغر ظهر كحلقة مشتعلة على سطح الشمس تبلغ درجة حرارتها أضعاف محيطها.
وبعد تركيز أكبر على تلك النقطة لاحظ أفراد الفريق أن العناصر المكونة لها تتخذ سلوكا مضادا للبديهة، حيث كانت ذرات السيليكون بها أكثر تفاعلا وسرعة من ذرات الهيدروجين الأخف، ويشبه الأمر أن تلقي بكرتين، خفيفة وثقيلة، على الأرض، فتجد أن الكرة الثقيلة تجري أسرع بلا سبب واضح.
لكن أحد الفرضيات في فيزياء الشمس تفسر هذا السلوك، حيث تقول إن السر الرئيسي لحرارة الهالة الشمسية متعلق بالانفجارات الشمسية متناهية الصغر، والتي تنقل الطاقة لها فتسخّنها، وأثناء ذلك يمكن للسيليكون أن يجري أسرع من الهيدروجين.
أسرار تاج الشمس
نعرف أن حرارة سطح الشمس تبلغ حوالي 6 آلاف درجة مئوية، لكن الهالة المحيطة بالشمس تبلغ حرارتها حوالي مليون درجة مئوية، وهذا عجيب، لو أشعلت نارا ستكون أقرب المناطق لمركز النار هي الأكثر حرارة، ثم يبرد الطقس تدريجيا كلما ابتعدت عنها، لكن على الشمس يحدث العكس. وخلال 50 سنة مضت، كان ذلك هو أكبر أسرار فيزياء الشمس.
يفسر العلماء ذلك بأن شيئا ما يحدث على سطح الشمس هو ما ينقل تلك الحرارة الشديدة للهالة الشمسية، ويتصور فريق منهم أن تلك الانفجارات الشمسية متناهية الصغر قد تكون هي السبب. فرغم أنها "صغيرة جدا" إلا أنها تحدث بشكل دائم ويمكن -بشكل كلّي- أن تؤثر بشكل كبير.
وبحسب الدراسة، فإن الفريق البحثي -عند تلك النقطة- لجأ إلى مرصد ديناميكا الشمس (SDO)، لرصد العلاقة بين لحظة حدوث هذا الانفجار الشمسي متناهي الصغر، والاضطراب في حرارة الهالة الشمسية اللاحق لحدوثه.
وجاءت النتائج لتشير إلى أن الهالة الشمسية شهدت بالفعل ارتفاعا كبيرا في درجة الحرارة في المنطقة المقابلة لهذا الانفجار، بعد 20 ثانية فقط من حدوثه.
ويضيف ذلك تأكيدا على الفرضية التي تقول إن أكبر أسرار الشمس إلى الآن، يبدو أنه يقع بين يدي أصغر ظواهرها.
لكن على الرغم من ذلك، فإنه على هذا الفريق العمل مستقبلا لإثبات أن التأثير الكلي لتلك الانفجارات الشمسية متناهية الصغر يماثل الفارق الكبير في حرارة الهالة الشمسية كلها، الأمر الذي يمكن أن يغير تاريخ فيزياء الشمس للأبد.