أطل الأمين العام لحزب الله يوم أمس وعلى مدى ثلاث ساعات فيما سُمي بحوار العام ليتطرق إلى أحداث المنطقة وملفاتها من فلسطين إلى سوريا إلى العراق إلى اليمن إلى ذكرى سليماني وبطبيعة الحال إلى التطبيع العربي الإسرائيلي وقضايا الصراع مع إسرائيل.
تميزت المقابلة باستعراض أحداث مضت أكثر من مواقف، وتميزت أكثر باستعراض "مرحلة سليماني" والدور الإيراني في المنطقة، وانتهت في الربع الساعة الأخيرة في لبنان ليؤكد السيد نصر الله جهوزية المقاومة لردع أي عدوان إسرائيلي وجهوزيتها لخوض أي حرب محتملة، مشيرا عن قصد إلى تطور مخزون المقاومة من الصواريخ ملمحا إلى أسلحة استراتيجية باتت بحوزة المقاومة لم يشأ الإفصاح عنها في إشارة متعمدة تصب في خدمة الصراع مع العدو.
بغض النظر عما حملته هذه المقابلة وما يمكن أن تتحمله في سياق التحليلات والتقديرات من الناحية السياسية الداخلية والاقليمية، إلا أن ما لفت اللبنانيين غياب الحديث عن الأزمات المعيشية والازمات المتلاحقة، بل غياب لبنان عن مدى الإهتمام إلا من زاوية السلاح وما تملكه المقاومة من صواريخ ومن سلاح استراتيجي ومن مقدرات عسكرية هائلة، فيتساءل اللبنانيون إلى أي مدى يمكن أن يستفيد لبنان الداخلي من هذا السلاح؟ ماذا سيفعل اللبناني بهذا السلاح في ظل الإنهيار المالي والإقتصادي والمعيشي، وفي ظل الضغوط الحياتية المتلاحقة والمستمرة؟
إن هذا الكلام ليس موقفا من السلاح ولسنا بصدد الدخول في نقاشات متصلة بالساحة الإقليمية والدولية وبمفردات الصراع الاميركي الإيراني، ولكن السؤال الطبيعي لدى كل اللبنانيين اليوم ألا يستدعي ما يحصل في لبنان اليوم موقف واحد من حزب الله وأمينه العام يطل فيه على إطلاق عجلة الحل في الازمة اللبنانية في زحمة المواقف التي أطلقت خلال هذه المقابلة تجاه إيران وسورية والعراق واليمن والعرب والعدو الاسرائيلي؟!!
نعلم أن لبنان ساحة مفتوحة على كل ساحات الصراع في المنطقة، ونعلم جيدا أن لبنان في عين العاصفة الاقليمية والدولية وأن الخيارات ليست لبنانية فقط ولكننا في الوقت نفسه نرى لبناننا مضرجا بالدم، ونراه في غرفة العناية الفائقة كما يراه السيد نصر الله بالضبط وربما يراه أكثر من ذلك، فلماذا غُيب لبنان الداخلي عن أي موقف أو مبادرة أو في الحد الأدنى عن إطلاق نقاش ربما يؤدي إلى كسر هذا الجمود السياسي أو التعنت السياسي أو ربما قد يفتح هوّة في جدار الازمة المالية والمعيشية الخانقة.
لقد كان اللبنانيون يوم أمس يراهنون على موقفٍ ما ينقذهم من دوامة الفقر والجوع والغلاء ومن دوامة الأزمة المعيشية، وإذا بهم أمام الحديث عن الترسانة العسكرية للمقاومة وعن الصواريخ الاستراتيجية وغير ذلك مما لم يعد يعنيهم من قريب أو بعيد بقدر ما يعنيهم ما هم فيه من ذل العيش وذل الفقر والجوع والأمن الإجتماعي والصحي والغذائي.
المقاومة في نظر اللبنانيين فيما مضى كانت رهان في ظل الاحتلال الاسرائيلي وما زالت ربما رهان لردع العدوان الاسرائيلي لكنها أيضا مسؤولة عن وطنها وأمتها وشعبها وبيئتها، قامت القاومة مقام الدولة في الحرب دون أي اعتبار للبروتوكولات الرسمية ولتقم الآن كذلك دون الهروب من الازمة تحت مقولة "ما فينا نكون بدل الدولة"
إن اللبنانيين بكل مكوناتهم لم تعد تعنيهم قضايا الصراع ولا خطابات الانتصار ولا حكايات سليماني بقدر ما يعنيهم اليوم الخبز والجوع وما يجري ويحصل من الانهيار بفعل مافيات السرقة والنهب ومنظمومة الفساد المحمية بقوة الاحزاب وربما بقوة هذه الصواريخ.
الوجع اللبناني مستمر والجرح اللبناني سيبقى مفتوحا ما دام لبنان بلا رجال وبلا قادة، القادة الذين يمتلكون حسّ الإنسانية والوطنية والمسؤولية، وسيبقى اللبنانيون ضحايا على مذابح الزعماء والأحزاب والطوائف ولا قيامة للبنان إلا بإرادة شعبية صادقة قادرة على التضحية والتحدي ولكن...