قلل الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خطورة الهجوم الإلكتروني الذي استهدف وكالات حكومية، ومن مسؤولية روسيا عنه، ملمحا لإمكانية ضلوع الصين فيه، بينما توالت التصريحات المنددة بموقف ترامب من مسؤولين أميركيين، وسط وعود من فريق الرئيس المنتخب جو بايدن بالتصدي لروسيا.
وقال ترامب إن قضية القرصنة الإلكترونية ليست ضخمة كما تدّعي ما وصفها بوسائل الإعلام المزيف.
وأضاف ترامب -في تغريدتين- أنه على اطلاع كامل على القضية، وأن كل شيء تحت السيطرة، معتبرا أن الاتهام يوجّه دائما لروسيا لأن وسائل الإعلام -ولأسباب مالية- تخشى الإشارة إلى الصين، التي يمكن أن تكون هي المسؤولة عن ذلك.
وقال في التغريدة "الهجوم الإلكتروني أكثر أهمية في الإعلام الزائف مما هو في الواقع"، وأضاف "كل شيء تحت السيطرة. روسيا روسيا روسيا، هذه أول لازمة تتردد عند حصول أي شيء"، مضيفا "قد تكون الصين، هذا محتمل".
موقف واتهامات
وبذلك خالف ترامب رأي مسؤولين أميركيين وموقف وزير خارجيته مايك بومبيو، الذي اتهم موسكو مباشرة بالوقوف وراء الهجمات الإلكترونية الواسعة النطاق التي استهدفت وكالات حكومية أميركية، من بينها وزارة الخزانة وإدارة الأمن النووي.
وأوضح بومبيو أن العمل جار على تقييم ما حدث، مشددا على أن بعض المعلومات ستبقى سرية، وأكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشكل تهديدا لمحبي الحرية.
وقال "نعم، فلاديمير بوتين يشكل خطرا حقيقيا بالنسبة لمن يحبون الحرية بيننا.. وعلينا أن نضمن استعدادا دائما لمواجهته ومواجهة أمثاله.. اليوم أنا أصنف الصين كتحد يشكل خطرا وجوديا حقيقيا؛ لكنني لا أقلل من أهمية التحدي الذي يشكله امتلاك روسيا مئات الرؤوس النووية القادرة على الوصول إلى التراب الأميركي، إنه خطر هائل يهددنا أيضا".
وفي سياق ردود الفعل، قالت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إن الهجمات الإلكترونية التي استهدفت عددا من الوكالات الفدرالية، كبيرة وبعيدة المدى، واعتبرت أنها دليل مقلق على أن الجهات الفاعلة لا تزال عازمة على تقويض الأمن القومي والديمقراطية الأميركية.
خيانة وخنوع
من جهته، وصف رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب آدم شيف، تغريدة الرئيس ترامب بشأن القرصنة بأنها "خيانة أخرى فاضحة" من الرئيس للأمن القومي الأميركي.
وأضاف شيف أن تغريدة ترامب تبدو كأنها كتبت في مقر الكرملين، وقال إنها تصرف خانع آخر أمام بوتين، وسبب آخر لعدم رغبة ترامب في مغادرة منصبه بالسرعة اللازمة.
واتهم شيف روسيا بالسعي من خلال الهجمات الإلكترونية الأخيرة إلى تجميع معلومات استخبارية وإلحاق الضرر الاقتصادي بالولايات المتحدة.
وطالب -في مقابلة مع شبكة "إم إس إن بي سي" (MSNBC)- بالنظر في ما وصفها بشمولية الأفعال الروسية، منتقدا غياب أي ردع من جانب إدارة ترامب.
كما قال العضو الديمقراطي وعضو لجنة الاستخبارات في مجلس النواب راجا كريشنامورثي إن كل الأدلة تشير إلى أن روسيا هي المسؤولة عن الهجمات، وتساءل في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" (CNN) قائلا "لماذا لا يريد الرئيس ترامب أن يجعل روسيا تواجه عواقب هذه الهجمات؟".
وانتقد السيناتور الجمهوري ميت رومني تصريحات ترامب، وقال في حديث لشبكة "سي إن إن" إنه لا أحد في أجهزة الاستخبارات يشك في وقوف روسيا خلف هذا الهجوم، لكن ترامب "يعمي نظره عن كل ما يخص روسيا"، محذرا من إمكانية تكرار هذه الهجمات.
وبدوره، استبعد المدير السابق لوكالة الأمن السيبراني الأميركية كريس كريبس أن يكون هدف الهجمات الإضرار باقتصاد البلاد، وقال لشبكة "سي إن إن" إن المخابرات الروسية تسعى لجمع المعلومات الاستخبارية والتجسس على القرارات السياسية والمفاوضات الدبلوماسية، وإن هذه الهجمات قد تكون أوسع مما يعتقده الأميركيون.
أما كيفين مانديا المدير التنفيذي لشركة "فاير آي" (FireEye) التي كشفت الهجوم السيبراني، فقال إن ما حدث كان هجوما كبيرا ومختلفا عما سبقه من هجمات.
وأضاف مانديا خلال حديثه لشبكة "سي بي إس" (CBS) أن عدم الرد على هذا الهجوم سيخرق قواعد اللعبة، وسيدفع المخترقين لتوسيع آفاقهم في الهجمات المقبلة.
من جهته، قال النائب الديمقراطي جيسون كرو إن الوقت حان للحديث بجدية، وإن خصما خطيرا للولايات المتحدة وصل الآن لأنظمة الدفاع والاستخبارات وحفظ الأمن والمؤسسات المالية الأميركية.
وأشار كرو -وهو عضو لجنتي الاستخبارات والخدمات المسلحة في مجلس النواب- إلى أن هذا الهجوم رغم أنه الأكبر في التاريخ الأميركي، فإن ترامب يقلل من خطورته، ويحوّل اللوم عن روسيا، ويهدد بإصدار فيتو بحق موازنة وزارة الدفاع، كما أنه يطرد مسؤولي الدفاع والأمن الإلكتروني.
اختراق ومخاطر
في غضون ذلك، قالت وكالة "أسوشيتد برس" (Associated Press) إن تغريدات الرئيس دونالد ترامب التي قللت من أهمية الاختراق ووجهت أصابع الاتهام إلى الصين، فاجأت المسؤولين الأميركيين.
وأضافت الوكالة أن البيت الأبيض كان يعد بيانا يربط روسيا بعملية القرصنة الإلكترونية، لكن المسؤولين تم إبلاغهم بوقف ذلك.
وقال كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ مارك وورنر إن من المرجّح أن يكون الهجوم الإلكتروني الأخير مستمرا، مشيرا إلى أن المعطيات الأولية تُظهر أن الجهات التي تقف وراءه محترفة للغاية، متهما روسيا بالمسؤولية.
وعبّر وورنر عن قلقه من هذا الهجوم، محذرا من إمكانية وصول خصوم الولايات المتحدة إلى أبرز وسائل الابتكار التي تقوم بإنتاجها.
من جهتها، نقلت شبكة "سي إن إن" عن 3 مصادر وصفتها بالمطلعة، أن المسؤولين عن مراقبة المخاطر الإلكترونية على أهم البنى التحتية الأميركية مطلعون منذ أشهر على نشاطات مشبوهة، وأن تلك الأنشطة لم تربط إلا الآن بالقرصنة الإلكترونية الواسعة النطاق التي تعرضت لها الولايات المتحدة مؤخرا.
ونقلت الشبكة عن مصدرين لم تسمهما أن التحقيقات الأولية لم تُظهر اختراق أي بيانات سرية، ولكنها مستمرة لمعرفة ما إذا كان المخترقون قد تمكنوا من الحصول على معلومات حكومية.
مسؤولية بايدن
وقال رون كلاين كبير موظفي البيت الأبيض في إدارة بايدن إن الإدارة المقبلة لن تفرض عقوبات فقط على المتورطين في عملية التجسس، بل ستتخذ خطوات لتحجيم قدرة الفاعلين على تكرار هذا النوع من الهجمات.
من جهتها، قالت مرشحة بايدن لوزارة الطاقة جينفر غرانهولم لشبكة "إيه بي سي" (ABC) إن الإدارة المقبلة تأخذ ما يجري بشأن الهجمات الإلكترونية على محمل الجد، مؤكدة أن بايدن سيكون له ردّ قوي على ما حصل.
وكانت وكالة رويترز قد نقلت عن الفريق الانتقالي لبايدن أنه يبحث خيارات قوية لمعاقبة روسيا على الهجمات الإلكترونية، بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض.
وفي روسيا، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تطوير عمل أجهزة الاستخبارات الروسية في مكافحة الجرائم الإلكترونية والإرهاب والتطرف وجرائم الفساد.
وشدد بوتين في كلمة له أمس الأحد على أهمية مواصلة جهاز الاستخبارات الخارجية دوره في تحييد التهديدات المحتملة، والاستجابة بمرونة للوضع الدولي المتغير، وفق قوله.
توعّد بالرد
وكانت وكالة رويترز (Reuters) قد نقلت مساء السبت عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون أوليوت، أن بلاده سترد بشكل مناسب على من يقف وراء الهجوم الإلكتروني.
وأضاف أوليوت أن المجلس يركز على التحقيق في الظروف المحيطة بالهجوم السيبراني، والعمل مع الوكالات الأخرى لاحتواء الموقف.
من جهتها، قالت وسائل إعلام أميركية إن مسؤولين في إدارة ترامب تقدموا باقتراح للفصل بين وكالة الأمن القومي والقيادة السيبرانية.
يشار إلى أنه في الوقت الذي تحقق فيه الولايات المتحدة من الأضرار التي لحقتها من الهجوم الإلكتروني الذي يرجح مسؤولون أنه انطلق في آذار الماضي، أعلن حلف شمال الأطلسي "الناتو" (NATO) أنه بعد فحص أنظمته المعلوماتية، لم يجد دليلا على أنه تعرض للقرصنة.
أما بريطانيا، فقالت إنها تعمل مع شركائها الدوليين لفهم حجم عمليات القرصنة وتأثيرها عليها.