في الوقت الذي تلقت فيه الصناعات العسكرية التركية ضربة موجعة من واشنطن عبر تعرضها لعقوبات غير مسبوقة من الحليف الأميركي تعرقل العديد من مشروعاتها التسليحية، فإن أزمة أخرى يمكن وصفها بالـ "اللغز" تهدد سلاحا استثمرت فيه قطر وروجت له تركيا على أنه قطعتها الأصلية.
فالدبابة "ألتاي" التي تعتبرها أنقرة فخر الصناعة المحلية لا تزال في انتظار أهم مكون فيها لتخرج إلى النور، وهو المحرك.
وتعاقدت إدارة الصناعات الدفاعية التركية مع شركة إم تي يو إينجن الألمانية لتزويدها بمحرك من نوع MTU 883 ذو قدرة 1500 حصان، لكن الجانب الألماني علق التسليم على مدار عام.
وفرضت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي عقوبات على إدارة الصناعات الدفاعية التركية ورئيسها إسماعيل دمير.
وتتضمن العقوبات حظرًا على جميع تراخيص وتصاريح التصدير الأمريكية لصالح إدارة الصناعات الدفاعية وتجميد الأصول الخاصّة بالدكتور إسماعيل دمير، رئيس إدارة الصناعات الدفاعية، ومسؤولين آخرين فيها، وفرض قيود التأشيرة عليهم.
ونقل موقع أحوال المتخصص في الشأن التركي عن المحاضر المساعد بقسم العلاقات الدولية في جامعة بيلكنت، تشاغلار كورتش إنه من المتوقع أن تلتزم الدول الأوروبية بشكل تطوعي بمنع رخص التصدير لقطاعات الصناعة العسكرية التركية، و"قد يكون هناك بعض التأثير المضاعف اعتمادا على منظور الموردين الأوروبيين لهذا الوضع". فقد تتجنب الشركات الأوروبية الصفقات مع رئاسة الصناعات الدفاعية التركية من أجل الحفاظ على علاقات ودية مع الولايات المتحدة.
ويبدو أن استمرار رفض ألمانيا لتسليم المحركات المطلوبة لتشغيل الدبابات التركية يأتي في هذا السياق، مما سيؤدي إلى تجميد الإنتاج، فلا قيمة لدبابات لا تتحرك، بحسب الموقع.
ويحاول الحزب الحاكم التهرب من مسؤولياته وإلقاء اللوم على ألمانيا لرفضها تسليم المحركات. فقد عزى محمد أمين أكباش أوغلو، نائب رئيس كتلة حزب العدالة والتنمية، أن الإنتاج المتسلسل لدبابة ألتاي قد تأخر لأن ألمانيا لم تف بالتزاماتها، وتسلم المحركات المتفق عليها لتشغيل هذه الدبابات.
وعلى الرغم من أن بعض مسؤولي حزب العدالة والتنمية يتهمون ألمانيا دون تسمية الشركة الألمانية، إلا أن إسماعيل دمير، رئيس إدارة الصناعات الدفاعية التركية قال في كانون الثاني 2020 : "أخبرتنا شركة (إم تي يو إينجن) في مراسلتها والاجتماعات الأخيرة أن الأمور ستسير على ما يرام"، ومنذ ذلك الحين، لم يقدم دمير أي بيان آخر بخصوص الشركة الألمانية التي تأخرت عليه لمدة عام كامل.
أموال قطرية
والمثير في الأمر، أن مشروع الدبابة ألتاي ممول من الحليف القطري الذي بات يضخ أمواله في كافة القطاعات الاقتصادية لإنقاذ أنقرة من أزمة مالية، لكن دخوله إلى الصناعات العسكرية أثار غضبا كبيرا في الأوساط السياسية.
وكانت قطر قد وقعت في مارس 2019 مع تركيا، صفقة لشراء 100 دبابة تركية من نوع"ألتاي"، قبل أن تقرر الحكومة التركية بيع مصنع للدبابات تابع لوزارة الدفاع، لشركة تملك قطر فيها حصة كبيرة، وهو ما أثار احتجاجات تركية كبيرة من الأحزاب المعارضة ضد الاستثمارات "الدخيلة".
وواصل زعيم المعارضة التركية ورئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، تهديده بتأميم الاستثمارات القطرية في بلاده.
وقال كليجدار أوغلو، في تصريحات صحفية إن "الحكومة التركية منحت قطر 500 مليار ليرة، بدلا من منحها للتجار، ولم يعط حتى قرش واحد لآلاف التجار، وأعطي خصما قدره 90 مليون دولار لشركة قطرية دفعة واحدة".
وندد خلال مؤتمر صحفي، بمنح حصة في مصنع دبابات تركية إلى قطر، حيث أكد أن مصنع الدبابات هذا يعد "شرف هذا البلد"، متسائلا: "أي من الدول حول العالم تسلم مصنع دبابات لدولة أخرى؟.. إذا كان الأمر هكذا، فإذا أسست قطر مصنع دبابات، فلنقم بالاستفادة منه نحن أيضا".
ووفقا لموقع "أحوال" التركي، فإن المكاسب التي اعتقدت قطر أنها ستحققها في هذا المشروع، اصطدمت بمشاكل جمة.
فقد فرضت الولايات المتحدة، الاثنين، عقوبات على عدد من الأفراد لارتباطهم بإدارة الصناعات الدفاعية التركية، حيث فرضت واشنطن عقوبات على إدارة هذه الصناعات ورئيسها إسماعيل دمير.
ووفقا للعقوبات التي أعلنتها وزارة الخزانة الأميركية، لن تتمكن رئاسة الصناعة الدفاعية من الحصول على رخصة تصدير من الولايات المتحدة إلى دول ثالثة ولن تحصل على قروض كبيرة من الولايات المتحدة والمؤسسات المالية الدولية.
ويبدو أن استمرار رفض ألمانيا لتسليم المحركات المطلوبة لتشغيل الدبابات التركية يأتي في هذا السياق، مما سيؤدي إلى تجميد الإنتاج، فلا قيمة لدبابات لا تتحرك، بحسب أحوال.
وتتهم المعارضة التركية الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأنه أقام صفقات غير واضحة وشبه سرية مع أصدقائه في العائلة المالكة القطرية.
ووفقا "لأحوال"، قد تبدو قطر للوهلة الأولى استفادت من هذه الصفقة، ولكن تجميد الإنتاج وعدم قدرة المصنع إثبات نجاح هذه الدبابات بشكل عملي، يجعل الشريكين التركي والقطري في خسارة مزدوجة.