في حزيران الماضي، كشفت وسائل إعلام إيرانية عن اتفاقية بين إيران والصين، وتشمل التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية على مدى السنوات الـ 25 المقبلة، كما تعهدت فيها بكين باستثمار 400 مليار دولار لتحسين البنية التحتية للنفط والغاز والنقل في إيران.
وسارع بعض المراقبين إلى الإشارة إلى أن هذه الصفقة لا تُظهر فقط طموح الصين، ولكنها تُظهر أيضًا فشل ما يُسمى بحملة الضغط الأقصى لإدارة ترامب ضد إيران، والتي دفعت إيران بدلاً من ذلك إلى الاتجاه إلى الصين، كما أشار آخرون إلى أنها ستعطي موقفا قويا لطهران عند التفاوض مع إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن.
لكن مجلة "فورين بوليسي" ترى أن هؤلاء يبالغون في إرادة الصين وقدرتها على مساعدة إيران في تحد للولايات المتحدة. وأشارت إلى أنه على الرغم من أن الصين كانت أكبر شريك تجاري لإيران منذ عام 2009، إلا أنها ظلت شريكًا ثانويًا للصين. حتى في الشرق الأوسط، تتفوق السعودية والإمارات على إيران عندما يتعلق الأمر بالتجارة مع الصين.
ووفقًا لوزارة التجارة الصينية، بلغت التجارة الصينية الإيرانية ذروتها في 2014، 51.85 مليار دولار، أي ما يعادل 1.2 في المائة من إجمالي حجم التجارة الخارجية لبكين، ثم انخفضت منذ ذلك الحين، في نفس العام، بلغت تجارة الصين مع السعودية والإمارات 69.15 مليار دولار و 54.8 مليار دولار على التوالي.
وفي المقابل، فإن حجم التجارة الصينية-الأميركية بلغت في ذلك العام 555 مليار دولار، أي ما يعادل 12.9 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية للصين. لذلك ترى المجلة أن بكين لن تضحي بكل ذلك من أجل التقرب من طهران.
وأكدت المجلة أن طهران بالنسبة للصين، مجرد واحدة من العلاقات التي تحتاج بكين لإدارتها في المنطقة.
تم اقتراح فكرة الصفقة الصينية الإيرانية الشاملة في أوائل عام 2016 من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال زيارته الرسمية لإيران. وبعدها فورا بدأت تتدفق الشركات الصينية إلى طهران، لكنها قوبلت بترحيب فاتر من قبل الإيرانيين، الذين يفضلون كل ما هو غرب، بحسب الصحيفة.
الخوف من العقوبات
وبعد انسحاب إدارة ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة وإعادة فرض العقوبات على طهران، علقت العديد من الشركات الصينية أيضًا مشاريعها أو غادرت إيران تمامًا كما فعلت نظيراتها الغربي، وذلك بسبب انسداد قنوات الدفع وزيادة المخاطر المالية في الاستثمار في السوق الإيرانية.
لذلك بعد الإعلان عن الصفقة، شكك رجل أعمال إيراني كان يتعامل مع الصين في التقارير الإعلامية بسخرية، وأشار في الصحافة الإيرانية إلى أن البنوك الصينية ترفض التعامل مع إيران وتغلق الحسابات المصرفية للطلاب الإيرانيين والشركات الإيرانية في الصين بسبب ضغوط العقوبات الأميركية، وقال: "إذن كيف ستشارك في صفقة تنقذ إيران من العقوبات الأميركية".
أما بالنسبة للشراكة العسكرية التي تتضمنها الاتفاقية، والتي تنص على إنشاء بكين قاعدة عسكرية في جزيرة كيش الإيرانية، فقد شككت فيه المجلة الأميركية، بسبب الرفض الشعبي الإيراني لأي تواجد على أرضهم، بالإضافة إلى حرص الصين على عدم تقريب إيران كثيرًا في مجالها الأمني. منذ عام 2008، كانت إيران حريصة على أن تصبح عضوًا كاملاً في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، وهي تحالف أمني واقتصادي أوراسي تقوده الصين بشكل فعال.
وعلى الرغم من الدعم الروسي الواضح الأخير، لم تسمح الصين لإيران بأن تصبح عضوًا كامل العضوية في المنظمة. من المرجح أن تستمر بكين في منع العضوية الإيرانية في منظمة شنغهاي للتعاون في المستقبل، للحفاظ على علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، وعدم الانحياز لأي طرف في هذا الخلاف، مما سيؤثر على مصالحها.
مناورة إيرانية
وأكدت المجلة أن هذه الصفقة هي في الغالب مناورة إيرانية على حساب الصين، وأنها "حيلة علاقات عامة إيرانية"، وأنها تحاول تهدئة الرأي العام المحلي من الاستياء بسبب الوضع الاقتصادي بأن الصين تدعم إيران، ولتظهر أن حملة الضغط القصوى الأميركية باءت بالفشل.
وأضافت أن بكين تعلم أنه إذا اختارت التعاون الوثيق مع إيران، فإن أي تصعيد مستقبلي للتوترات الأميركية الإيرانية (والذي يمكن أن يحدث بسهولة) سيزيد من توتر العلاقات الحساسة بالفعل بين بكين وواشنطن. وبالتالي، إذا لعبت الولايات المتحدة أوراقها بعناية، فمن غير المرجح أن تقف الصين إلى جانب إيران.
وأوضحت أنه سيكون الهدف الأسمى للسياسة الخارجية للصين في السنوات القادمة هو إصلاح علاقاتها مع الولايات المتحدة، لذلك فإن أي اتفاق محتمل مع إيران سيكون فقط خاضعًا لهذه الضرورة الأكبر.