عاش الشعب اللبناني منذ دخول الحريري-الأب إلى رئاسة مجلس الوزراء وتعيين رياض سلامة حاكمًا لمصرف لبنان وهمًا جميلًا وطويلًا. ثلاثة عقودٍ تقريبًا وشعبٌ بكامله يعيش في الوهم. يتنفّس وهمًا. ويأكل وهمًا. ويفكّر في ظل الوهم وانتشاره. ويتخيّل وهمًا. ويُحِسُّ بأوهامٍ. فمن الطبيعي أن يكون شعبًا مريضًا.
شعبٌ عاش ثلاثةَ عقودٍ بعيدًا من الواقع. لقد استسهل الحياة فعاش عيشةً كان يحلُم بها حتى مواطنو الدول الغنيّة. سيّاراتٌ فارهةٌ وجديدةٌ وبيوتٌ فخمةٌ وخدمٌ من كل الجنسيّات وعقاراتٌ وسياحةٌ إلى جنان الله الواسعة وأرصدةٌ في البنوك،... كلّ هذا كان وهمًا في وهم!
شعبٌ بأكمله عاش لمدة ثلاثة عقودٍ من أموال مغْتَربيه بالدرجة الأولى، ومن أموال المساعدات وأموال اليورو بوند من دون أن يبذل جهدًا ليأكل من ثمار تعبه فلم يعرف الكفاح والنضال من أجل لقمة عيشه.
سنعطي بعض الأمثلة:
-عيشة القضاة ورجال الدين لا سيما الموظفين في مؤسّسات الدولة الدينيّة.
-عاشت القوى المسلّحة بسبب التدبير رقم ٤ عيشةً يحلُم بها مواطنو الدول النّفطيّة مع أنّ لبنان بلدٌ مفلِس من زمان.
-قبل أقل من سنةٍ من ثورة تشرين كان أساتذة الجامعة اللبنانيّة يضربون لأسابيع من أجل زيادة ثلاث درجات. وهم أصلًا يقبضون رواتبهم بأعجوبة. هذا الأمر يدلّ على انفصامٍ كبيرٍ عن الواقع.
-التاجر اللبناني لم يعد يقنع بالقليل. تجار العقارات والثياب مثلًا.
-حتى المواطن العادي استخدم خادمةً أو اثنتيْن في بيته من دون أيّ حاجة. كنّا نشاهد في لبنان تجمعاتٍ كبيرةً للخدم في الطرقات والسوبرماركات.
-السياسيّ اللبناني استسهل السرقة والانحطاط في ممارسته وأدائه السياسي.
-الخبراء في الاقتصاد وموظفو البنوك كانوا يروِّجون للوهم من دون أيّ شعورٍ بالمسؤوليّة.
-عاشت المرأة اللبنانيّة حياةً لا علاقة لها بمستواها الحقيقي. عمليّات التجميل وشراء الثياب مثلًا.
-صار من الصعب أن تقنع ابنك وهو في سنٍّ مبكر بعدم الجدوى من شراء سيّارةٍ ثالثةٍ.
بإمكاننا أن نعدِّد الأمثلة إلى ما لا نهاية لإثبات أنّ الشعب اللبناني لم يتعرّف إلى حقيقة الحياة وصعوباتها وشؤونها وشُجونِها. فمن الطبيعي، إذًا، أن يُلطش في عقله ويعيش هلوساتٍ وفِصاماتٍ وهذيات.
والآن تمّ إيقاظ الشعب اللبناني من غفلته. تمّ إيقاظه من سباته الطويل.
لذا، من الطبيعي أن نجد أنّ الناس مرضى بدرجاتٍ متفاوتة. خذوا مثلًا السلطة السياسية. فهي سلطةٌ مريضةٌ تبدِّد الوقت الثمين في أمورٍ تافهة. نأمل أن يعود اللبنانيّون إلى رُشْدِهم، وأن يعيشوا الواقع كما هو، وأن ينهضوا بالعقل من الكارثة التي وقعوا فيها.