يبذل اللبنانيون هذه الأيام جهوداً مُضاعفة للحصول على "العدالة" في قضية تفجير مرفأ بيروت "النووي" في الرابع من شهر آب الماضي، هذه الجريمة المُروّعة التي أودت بأكثر من مائتي ضحية وآلاف المصابين وعشرات آلاف المشردين من بيوتهم وأعمالهم، وللأسف الشديد لا يمكن تطبيق العدالة والحفاظ عليها تلقائياً، أي ليست أمراً بديهياً، لا بل حيثما يطمح الأبرياء "الصالحون" لتحقيق العدالة، فسيجدون أمامهم أنّ هناك قوّة تُسيطر على قوّة أخرى (سواء تعلّق الأمر بأفرادٍ أو جماعات)، ولا يمكن إغفال عامل الحقد والضغينة الذي يعتمل في صدور المُتضرّرين من تحقيق العدالة، والذين لن يتورّعوا عن استعمال كافة الأسلحة لتضييع العدالة، بما فيها إعلان الحرب على أعداء " النظام والإستقرار" الذين يحاولون تجاوز القوانين والتّمرّد وانتهاك حرمة "الحصانات" الموضوعة في خدمة القوى الحاكمة (أي المُسيطرة بقوّة القانون والأجهزة الأمنية)، أو المُداهنة والمُراوغة وليّ عنق العدالة، إمّا بتقديم "قرابين" بديلة من المستضعفين المحرومين من نعمة الحصانة، أو تقديم بعض التعويضات المادية والمعنوية عن الأضرار الواقعة، وهذا لن يستقيم دون تدخُّلٍ من سلطة الدولة الحاسمة، والدولة تتدخّل عندما تشعر أنّ قوتها تؤهلها لذلك، أي أنّ باستطاعتها أن تتدخل لحرف سير العدالة، فتُحوّل المطالبات بتحقيق العدالة إلى محاولات لا مسؤولة وتعسُّفيّة تهدف إلى خرق القوانين وعصيان أوامر السلطة السياسية العليا، وتحويل الإنتباه عن الأضرار التي لحقت بالمواطنين التّواقين للعدالة، إلى ما يمكن أن يلحق من ضررٍ بمن يمكن أن تطالهم يد العدالة، بحيث تتطوّع "الدولة وحُرّاسها" لدرء "الظّلم" الذي يمكن أن يقع على "ضحايا" أبرياء، فيصبح الحديث عن العدل والظلم بلا معنىً وبلا هدفٍ واضح، ونعترف بعد ذلك بما هو أخطر من هذا وذاك، أنّ العدالة المُطبّقة جرّاء حدثٍ صغيرٍ أو كبير، بسيطٍ أو مهول، يتُمّ إنتاجها بطريقة من الطّرق من طرف قوّة حاكمة ومُتسلّطة حسب مقاصدها وأغراضها، ويجري فيما بعد استدعاء هذه الطريقة لإعادة إنتاجها قصد استعمالها استعمالاً جديداً، بهدف إخضاع وسيطرة على المُصرّين لتحقيق العدالة الكاملة، وكلّ إخضاع أو سيطرة، يعني تفسيراً جديداً، يُفضي إلى "مصالحة" سيتُمّ فيها حتماً تعتيم "المعنى" و"الغاية" المرجُوّتين.
إقرأ أيضا : سحرَة مُشعوذون في مكتب المجلس النيابي لتعطيل العدالة.
وهكذا ومع مرور الوقت الثمين، يمكن أن يقتنع اللبنانيون بعد جولاتٍ من المكر والخديعة والتجاذبات والألاعيب، والصفقات المشبوهة أنّ جريمة تفجير مرفأ بيروت كانت حادثاً لا نملك له دفعاً، مثل كارثة مُفاجئة، أو ظاهرة طبيعية مُروّعة، أو صخرة تدحرجت فسحقت البشر والحجر.