يجتمع مكتب مجلس النواب اللبناني ليجتهد في تضليل التحقيق في جريمة الرابع من شهر آب عام ٢٠٢٠، التي أودت بحياة أكثر من مائتي ضحية وأوقعت آلاف المصابين وتسبّبت بتشريد مئات الآلاف من المواطنين المنكوبين، يجتمع للتّستُّر على الجريمة وبسط الحصانات على المسؤولين السياسيين الذين قصّروا وأهملوا وجبنوا وتسبّبوا بوقوع انفجار العصر، التي أضافت إلى بلاء اللبنانيين بلاءً مُضاعفاً، وليخرج بعد ذلك نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي (أحد أذناب عهد الوصاية السورية على لبنان) على اللبنانيين بزُخرف الكلام وسِقطه، وبكلّ ما أوتيَ من دهاءٍ ومكر، ليدّعي حرص المجلس النيابي على إظهار الحقائق في جريمة مرفأ بيروت، وبالتالي كشف الفاعلين والمتواطئنين، وليغمز من قناة المحقّق العدلي القاضي فادي صوان، ويرميه بالسّهو والغفلة عن أمورٍ خطيرة في سلامة التحقيق، وتجاوز الدستور والقانون، و"حُرمة" الحصانات النيابية والوزارية والرئاسية، أمور خطيرة لا يفطن لها سوى زبانية الطبقة السياسية الفاسدة الذين استشعروا مخاطر التحقيق التي يمكن أن تطال بعضهم من المُتورّطين والفاعلين.
إقرأ أيضا : الإنتفاضة السُّنيّة..تأخّرتم كثيراً يا أقطاب الطائفة
أمّا المواطن اللبناني الصابر فيقف مذهولاً ساهماً وهو يُناجي نفسه بالقول: أنظر إلى هؤلاء السّحرة المشعوذين الذين يعرفون كيف يُحوّلون السواد الحالك إلى بياض الحليب والبراءة! ألم تُلاحظ الدّقة التي تُشكّل إتقانهم مهارات التضليل والكذب والبهتان وتضييع الحقوق؟ هل سبق لك أن سمعت مثل لغتهم هذه؟ لو أنصتَّ لكلامهم فقط، أكُنت ستشُكّ أنّك مُتواجدٌ وسط الحاقدين والمجرمين؟
ثلاثة عقود من الزمن وهم يُكرّرون على مسامعنا أنّهم " الصالحون العادلون" الذين يُمضون ليلهم ونهارهم في خدمتنا وتأمين رفاهة عيشنا، ولا يجدون عندنا( أي عند الدهماء البغيضة) سوى التّذمّر والضغينة، لذا تراهم مُضطرّين في حملاتهم الإنتخابية إلى نثر الوعود الزائفة، وبذل بعض الدريهمات لشراء الذّمم والأصوات، مع ما يلزم من بذل ماء الوجه، في سبيل تجديد ملكوتهم وسلطانهم على شعبٍ كان عظيماً، فأضحى مُبتذلاً صاغراً، يُحيط به الهواء الفاسد من جوانبه الأربعة، والهواء الفاسد لا يفرز سوى البؤس والحرمان والعاهات والعذاب والعزلة، إنّهم يُرغموننا على أن نعتاد على هذا، في حين أنّنا كُنّا قد وُلدنا في دائرة النور، ولم نعتد على حياة الذُّلّ والاستعباد، لسنا في طور البداوة والجهالة، ولن يُرغمنا أحدٌ مهما طغى وتجبّر كي نذهب مُرغمين نحو الضّجر والعدمية، ضجر الانسان من أخيه "الإنسان".