لماذا فاضت «القلوب الملآنة» في قصر بعبدا وبيت الوسط، وما هي الأسباب الحقيقية التي أدّت الى تفاقم خلافهما حول التشكيلة الحكومية الى درجة انه أصبح يتحكّم بهما بعدما كانا يحاولان التحكم به؟
خرج «الاحتقان الصامت» بين الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري من الغرف المغلقة الى العلن، وتبادَل المكتبان الاعلاميان لرئاسة الجمهورية والرئيس المكلف الإتهامات في وضح النهار حول المسؤولية عن عرقلة تشكيل الحكومة، في مؤشر إضافي الى انّ الولادة الحكومية تزداد تعقيداً وتعثراً، وانّ تحديد موعد زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الى لبنان في 22 كانون الأول الحالي لم يكن حافزاً كافياً للدفع في اتجاه تسهيل تلك الولادة، الّا اذا حصلت مفاجأة في الأيام الفاصلة عن تاريخ وصوله.
منذ أن طرح الحريري نفسه مرشحاً طبيعياً لرئاسة الحكومة، وصولاً الى تكليفه بعد مخاض، كان واضحاً انه لن يكون سهلاً رَتق النسيج الممزّق لعلاقتهما، وانّ التفاهم بينهما دونه تَعارض في المقاربات والحسابات، خصوصاً انّ خيار الحريري فُرض أساساً على عون الذي ظل حتى اللحظة الأخيرة يحاول استبعاده، فلما تعذّر عليه ذلك، انتقل الى «الخطة ب»، محاولاً ان يعوّض نكسة التكليف الاضطراري بتحسين شروط التأليف.
لكن المفاوضات الماراتونية التي خاضها الرجلان أظهرت انّ الهوة التي تفصل أحدهما عن الآخر هي أوسع من ان تردمها الابتسامات المصطنعة والبيانات المقتضبة التي كانت تخترع إيجابيات للتمويه.
وضمن استراتيجية «لا مسايرة بعد الآن»، يجزم العارفون بأنّ عون لن يقبل بحكومة مخالفة للمعايير الواحدة والعادلة، «ومن يظنّ انّ رئيس الجمهورية غريق او ضعيف ويمكن ان تُفرض عليه حكومة امر واقع، سيكتشف انه مخطئ كثيراً».
يشعر عون انّ التشكيلة التي سلّمه إيّها الحريري غريبة عجيبة، وأشبه ما تكون بقالب حلوى مصنوع من الملح بدل السكر. وما استوقَفه فيها هو انّ معظم الاسماء الواردة في التشكيلة مجهولة بالكامل، «وليس معروفاً من أين وكيف أتى بها الرئيس المكلف؟».
فبالنسبة إلى عون، اذا كان يُراد تشكيل حكومة مهمة إنقاذية وفق مقتضيات المبادرة الفرنسية، فإن التوليفة التي اقترحها الحريري ليست لها علاقة بتاتاً لا بالمهمة ولا بالانقاذ.
ويُروى أنه عندما اطّلع رئيس الجمهورية على الاسماء تبيّن له انه لا يعرف الكثير منها، بحيث اضطرّ الى الاستعانة بصديق للاستفسار عنها، علماً ان ّالحريري أرفقَ تشكيلته، تِبعاً للرواة، بسيَرٍ ذاتية لعدد من الشخصيات التي رشّحها للتوزير، ما أوحَى لعون بأنه امام ملف توظيفي سيُرفع الى مجلس الخدمة المدنية وليس أمام مشروع حكومة استثنائية ستواجه تحديات ضخمة، الأمر الذي دفع أحد اللصيقين برئيس الجمهورية الى التساؤل: هل هكذا تُشكّل حكومات ما بعد اتفاق الطائف؟
ويؤكد المطلعون على موقف عون انه لم يعد لديه ما يخسره بعدما أصابت العقوبات الأميركية عمق بيته السياسي والعائلي من خلال التصويب المباشر على رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، إلى جانب تأثّره الكبير بالتداعيات الهائلة لانفجار المرفأ ومفاعيل انتفاضة 17 تشرين «بحيث لم يبق سوى أن يضرب النيزك هذا العهد».
ويبدو انّ عون اتخذ قراراً حاسماً، وفق العارفين، بالتعويض في السنتين الأخيرتين من الولاية عن إخفاقات العامين السابقين، وبالتالي الانتقال من الدفاع الى الهجوم على كل الجبهات، حتى لو أدى ذلك الى حصول مواجهات مع الخصوم - الشركاء، إذا قرروا التصدي له.
وتِبعاً للقريبين من عون، ليست هناك شَخصَنة للمعركة ضد الفساد ولا «غرفة أوضاع» في قصر بعبدا او في اللقلوق، «ومن يعرف التفاصيل جيداً يدرك انه ليس من السهل جَمع الوزير السابق سليم جريصاتي مع القاضية غادة عون والمحامي وديع عقل، كما رَوّج البعض، في غرفة عمليات مشتركة».
ويعتبر هؤلاء انّ الهدف من شَخصنة معركة الفساد واتهام عون وباسيل باستخدام القضاء للهجوم على الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط، إنما هو شَد العصب وإعطاء المواجهة طابع الكيدية والاستنسابية، بعيداً من جوهرها الاصلاحي الحقيقي.
ويشير المطّلعون على مناخ قصر بعبدا الى انّ الأمر الوحيد الذي فعله عون هو أنه طلبَ من القضاء ان يؤدي عمله في إحقاق الحق ومكافحة الفساد حتى النهاية، من دون التأثر بأي ضغط، ومن غير مراعاة أحد، «وما تسألوا حتى عنّي في مَعرض القيام بواجباتكم، علماً انكم لو طبّقتم القانون وتحرّكتم وفق الاصول عند التعرّض لكرامة رئيس الجمهورية وموقعه ما كنتم لتتعرضوا اليوم الى ما تتعرضون له من حملات وتجريح».
ووفق القريبين من عون فإنّ نصيحته للمُتحسّسين من فتح الملفات هي الآتية: «لا تشخصنوا او تطَيّفوا معركة الإصلاح. أتركوا القضاء يأخذ مجراه، وحسناً فعلتم بأن احتَكَمتم إليه للادعاء على وزراء سابقين للطاقة حتى تظهر الحقيقة في هذا المجال».
أمّا الاتهام الموجّه الى عون او بعض المحيطين به بالتأثير على المحقق العدلي القاضي فادي صوان ودَفعه الى الادعاء على الرئيس حسان دياب وبعض الوزراء السابقين، فهو، تبعاً لأوساط القصر الجمهوري، من نَسج الخيال، مشددة على انه ليست لعون ومحيطه أي علاقة بقرار صوان.
وتضيف الاوساط الرئاسية، متوجّهة الى المروّجين للربط المفترض: إعتمدوا على رأي نهائي، مرة تتهموننا بإقصاء صوان عن ملف حادثة قبرشمون ومرة اخرى تروّجون بأنه يتبع لنا... إحترنا معكم».