معنى هذه القاعدة: أن يثري الإنسان على حساب غيره من دون وجه حق ـ قانوني أو شرعي ـ أما من الناحية الشرعية، فإنَّ الذي يُثري بطرق غير مشروعة أو يطلب العيش بالخداع والكذب على الناس والنفاق وإعانة الظالمين والسارقين فهو مجرم، لأنه كاذب ومنافق وظالم، وما كان الله ليجعل رزق عباده في شيء مما حرَّم عليهم، وأيضاً من يستعمل ما يسمى "الحيل الشرعية" توصلاً إلى فعل محرَّم أو ترك واجب، فهو مجرمٌ، لأنه حلَّل ما حرَّم الله، وحرَّم ما حلل الله، ورحم الله القائل بحسب تعبير الفقيه ـ محمد جواد مغنية ـ " إنَّ هؤلاء يخادعون الله كأنما يخادعون صبياً".
أما من الناحية القانونية: فلها ثلاثة أركان: ـ 1 ـ أن يكون هناك إثراء في جانب، والمراد بالإثراء الانتفاع. ـ 2 ـ أن يترتب على هذا الإثراء افتقار في جانب آخر، أي خسارة. ـ 3 ـ أن لا يقوم سبب مشروع لهذا الإثراء.
لبنان محكوم بنظام طائفي، وجعلوا لكل طائفة مؤسسة دينية رسمية تتبع مجلس الوزراء، وتخصص لها ميزانية، وفي كل مؤسسة دينية موظفون بسبب وبغير سبب، ولا ضابطة فيها لعدد موظفيها، والأغلبية منهم يأكلون بلا عمل وبلا سبب، يعني: ترك الحبل على غاربه. ويا ليت الأمر يقتصر على أبناء الطائفة، بل حصر المؤسسة الدينية بأرباب زعماء الأحزاب، وبالتالي، الموظفون فيها هم المنتمون والمحزبون والمحسبون على زعيم حزب الطائفة، وليسوا أبناء الطائفة، وعموم أبناء الطائفة لا يستفيدون منها بشيء!. فإذا تماشينا وغضضنا النظر عن وجود المؤسسة الدينية لكل طائفة، لأننا نعيش في بلد تحكمه الطوائف والطائفية ولا نعرف معنى الوطن والمواطنية، ولا نعرف الحقوق الإنسانية والمدنية، فليكن لكل طائفة مفتٍ واحدِ لها، ولا داعي لكثرة مفتييها، إذ يوجد في كل طائفة عشرات وعشرات المفتيين، الذين تخصَّص لهم ميزانية من مجلس الوزراء، وهم يأكلون بلا سبب شرعي أو قانوني أو عرفي، ولا عمل لهم سوى الأكل والإثراء على حساب الشعب اللبناني، وعندنا المثل الشعبي يقول ـ لا شغلة ولا عملة بس بياكل وبينام ويا ريتو ما بيفيق ـ العهدة على المثل وليس على الناقل.
هنا، لست فقيهاً قانونياً أو دينياً، وهذا موكول إلى أهله، لكن أقرأ وأشرح هذه الأركان الثلاثة لقاعدة الإثراء بلا سبب، ونجد أن كثرة مفتو الطوائف تندرج تحت الركن الثالث من القاعدة وهو إفتقار في جانب آخر، بل الإلغاء يساهم في حلحلة الوضع المأساوي في لبنان، وغير ذلك كثير من الإثراء اللبناني لكثير من الوظائف بلا سبب وبلا حاجة ولاعمل، نحن أمام كارثة تحل بنا وبهذا البلد وشعبه، فلو أردنا أن نبدأ بحلول جدية تنطلق بدوافع الإنسانية والدينية والأخلاقية، فلنعمل على إلغاء ذلك، وتكون بوادر حسنة أمام الإصلاح وشرعنة العمل المجدي والمفيد في سنِّ قوانين تحفظ الحقوق والواجبات، ونختم بالمثل القائل: ـ حجر بيسند خابية ـ وبهذا نقطع السبيل على الإنتهازيين والذين يأكلون بلا عمل ولا تعب ويجعلون قضيتهم قضية الدين والطائفة.