انقضى الأسبوع على مشهد مكفهر. حكومياً الأبواب موصدة امام اي حراك فعلي، ولا أجواء عن اتصالات على خط بعبدا بيت الوسط. فبعبدا مشغولة بمحاولة نفي ما تسرب عن لقاء رئيس الجمهورية بمجلس القضاء الأعلى، فيما بيت الوسط الذي يجري ترتيبات داخل جدران تيار المستقبل، ينتظر المفاعيل المسبقة لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون علّها تدفع عجلة التأليف.
قدّم رئيس الحُكومة المُكلّف سعد الحريري الأربعاء الماضي تشكيلة حُكوميّة كاملة، هي عمليًا حُكومة أمر واقع، كونه لم يبحث تفاصيلها مُسبقًا مع رئيس الجُمهوريّة العماد ميشال عون الذي وبدلاً من أن يختار إمّا توقيع هذه التشكيلة وإحالتها إلى مجلس النوّاب ليتمّ التصويت على الثقة بها سلبًا أو إيجابًا،وإمّا أن يرفض التوقيع عليها ، ذهب إلى خيار ثالث تمثّل بإعطاء الحريري مسوّدة حُكوميّة تتضمّن توزيعًا للأحجام وللحقائب، لكن من دون إسقاط الأسماء عليها. فما الذي يُمكن أن يحصل الآن؟.
مصادر مراقبة اعتبرت أن فريق العهد نجح بنقل المعركة من الخلاف على تشكيل الحكومة الى الخلاف حول موضوع الاستدعاءات القضائية، وهو ما جعل الرئيس الحريري يستشرس في دفاعه عن رئاسة الحكومة التي يصرّ على أن تكون محصّنة مثل الرئاستين الأولى والثانية.
إقرأ أيضا : صعوبات تواجه لبنان والحكومة رهينة البدع
المصادر تحدثت عن استحالة تشكيل حكومة قبل الأعياد وقبل زيارة الرئيس الفرنسي، حيث لا يبدو ان هناك نيّة لدى رئيس الجمهورية لتعديل موقفه، ولا مؤشرات توحي بزيارة قريبة للحريري الى بعبدا للاطلاع على موقف عون من التشكيلة الحكومية التي سلّمه اياها الأسبوع الفائت، في حين تشيع أجواء بعبدا أنها بانتظار رد الحريري على طرح عون. في هذه الأثناء، كان لافتًا بيان النفي الذي صدر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية حول ما نُسب إلى الرئيس عون خلال اجتماعه مع مجلس القضاء الأعلى، وما تم تسريبه عن لسانه وطاول كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وذلك عشية القرارات التي صدرت عن القاضي العدلي، ما يثير الكثير من التساؤلات حول ما يجري في الغرف المغلقة وفي الكواليس.
وإذا كان الرأي المُتفائل، يُراهن على وُصول الوضع المالي إلى شفير الإنهيار الكامل، وتاليًا وُصول الوضع الإجتماعي إلى شفير الإنفجار، مَعطوفًا على قُرب عودة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان في زيارة هي الثالثة له هذا العام، لحُصول تنازلات سريعة مُتبادلة تُسهّل عمليّة التاليف، فإنّ الرأي المُتشائم ينطلق من سلسلة من المُعطيات الثابتة، لعدم توقّعه إنبعاث الدُخّان الأبيض في المُستقبل القريب على مُستوى الملفّ الحُكومي، أبرزها
أنّ السماح للقوى السياسيّة بتسمية وزرائها كما كان يحصل في السابق، سيفتح بابًا قد لا يُغلق ابدًا، وقد يُعيد مسألة الفيتوات الخارجيّة على تمثيل حزب الله، بشكل مُباشر أو غير مُباشر، إلى الواجهة.
تعرّض الحريري لضُغوط ببُعد طائفي مذهبي لحثّه على رفض خُطوة رئيس الجمهوريّة الذي قام بتسليمه طرحًا مُتكاملاً بشأن التشكيلة الحُكوميّة المُقترحة، وذلك بحجّة عدم دُستوريّة هذه الخُطوة وخرقها لما جاء في دُستور الطائف.
إستمرار الخلاف على مسألة الثلث المُعطّل، بين فريقي رئيس الجمهوريّة ورئيس الحُكومة المُكلّف، حيث لا يزال هذا الأخير يُصرّ على تقسيم الحكومة سياسيًا إلى ثلاثة أثلاث، عودة السجال القديم بشأن صلاحيّات كل من رئيس الجُمهوريّة ورئيس الحُكومة المُكلّف بشأن الحق في تشكيل الحُكومة.
تفجّر سجالات بين التيّار الوطني الحُرّ من جهة، وكلّ من تيّار المُستقبل والحزب الإشتراكي وحركة أمل من جهة أخرى، على خلفيّة فتح بعض الملفّات القضائيّة، حيث يعتبر التيّار أنّ الأمر محض قضائي، ويدخل في إطار الحرب على الفساد وتحت سقف قانون الإثراء غير المَشروع، بينما يعتبرها خُصوم التيّار أنّها مُناكفات سياسيّة وخُطوات كيديّة وإنتقاميّة وإنتقائيّة، بغلاف قضائي غير مُوفّق ومن غير المُستبعد أن يتصاعد الأمر إلى تحريك ملفّات مُتبادلة بين هذه القوى المَذكورة أعلاه.
بالتوازي ، استبعدت مصادر سياسية ان يقوم الرئيس ماكرون بأي وساطة أثناء زيارته الى لبنان في 22 من الجاري للافراج عن الحكومة، لأن المعلومات تشير إلى أنه لن يلتقي المسؤولين اللبنانيين بحال لم يحصل تطور إيجابي حكوميا، وعندها قد تنحصر زيارته فقط بالجنوب ولقاء الكتيبة الفرنسية العاملة ضمن قوات اليونيفيل، الا انه في حال لمس استعداداً من عون لتعديل موقفه فحينها لن يفوّت هذه الفرصة.
في الخُلاصة، الأمور ليست جيّدة على خطّ تشكيل الحُكومة، حيث ان الابواب موصدة حالياً، والوقت الضائع على مُستوى فراع السُلطة التنفيذيّة يمرّ ثقيلاً على اللبنانيّين، بحيث أنّ أغلبيّتهم الساحقة كفرت بالوضع القائم،تحت وطأة الضغط الحياتي والمعيشي. وباتت هذه الأغلبيّة التي فقدت الأمل بفرج قريب، تجمع الجميع في سلّة واحدة، غير آبهة بمن على حق وبمن على خطأ.