لم يُطلب من وزير الداخلية محمد فهمي الاعتذار، بل طُلب منه تبرير تصريحه بالإثباتات والقرائن، فوعد بأنّه سيسلّمها الى النيابة العامة. هذا وفق مصادر قضائية مطلعة على مجريات الاستجواب"، فيما كشفت تلك المصادر انّ النيابة العامة التمييزية تدرس ملف الاستجواب وتترقب حالياً موقف مجلس القضاء الاعلى، بعدما كان المبادر في طلب الادعاء على فهمي بواسطة رئيسة هيئة القضايا القاضية هيلانة اسكندر، الذي طلب منها الادّعاء على وزير الداخلية بإسم الدولة اللبنانية. إلّا انّ الاخيرة لم تتجاوب مع الطلب، الامر الذي فاجأ مجلس القضاء كما فاجأ النيابة العامة التمييزية.
المصادر نفسها لفتت الى أنّ النيابة العامة التمييزية تفاجأت بموقف اسكندر، خصوصاً أنّها عضو في مجلس القضاء، وهو المطالب الاول بمقاضاة فهمي. لكنها رجّحت وجود سببين لعدم ادعاء اسكندر، وهما الضغط السياسي او التقصير، ما وضع النيابة العامة التمييزية في الواجهة.
أما عن مجريات التحقيق، فتشير تلك المصادر، الى أنّ فهمي كان متجاوباً ومطواعاً خلال الاستجواب، بعكس ما لمّحت بعض الوسائل الاعلامية، حيث أوضح انّ الحوار الاعلامي جرّه الى الإدلاء بما بالغ فيه، وأنّ ما صرّح به اتى في سياق الحوار ونتيجة الضغوط التي عانى منها في بعض القضايا ومع بعض القضاة في ملفات عدة… فقال ما قاله.
أما بالنسبة الى آلية متابعة المحاكمة، فأشارت المصادر، الى «أنّ الجرم الحاصل مرتبط بالوزير وليس بالموجبات الوظيفية، لذلك ستتابع محاكمته كـ»جرم مطبوعات»، أي ستتمّ إحالة الدعوى الى محكمة المطبوعات، بحيث يُعتبر كل جرم يُرتكب من خلال وسيلة اعلامية «جرم مطبوعات» ويُحال الى محكمة المطبوعات. لكن الادّعاء الشخصي يكون لهدف التعويض الشخصي، الامر الذي لم يحصل في حالة وزير الداخلية، لأنّ الدولة اللبنانية لم تدّعِ حتى اللحظة بواسطة وكيلتها، اي رئيسة هيئة القضايا هيلانة اسكندر، ولذلك لا يمكن الطلب من المتهم التعويض بل يُحال فقط الى محكمة المطبوعات والحكم عليه بغرامة معينة… اما التهمة فأقصاها «القدح والذم».
وتقول مصادر قضائية تعليقاً على آلية الإدّعاء على فهمي، انّه لم يحصل يوماً ان يطلب مجلس القضاء مباشرة من هيئة القضايا الادّعاء بإسم الدولة اللبنانية من دون الرجوع الى وزير العدل، لأنّ كل ما يتعلق بوزارة العدل والوحدات القضائية التابعة لها ادارياً يجب ان يكون وزير العدل ملماً به ومطّلعاً عليه، فيما يحق للنيابة العامة القضائية استدعاء فهمي وليس مجلس القضاء، ولذلك يجب التمييز بين العمل القضائي والعمل الاداري القضائي.
اسكندر: القانون كتابي
وفي هذا السياق، أوضحت اسكندر لـ«الجمهورية» ماهية دورها كرئيسة لهيئة القضايا، فقالت، انّها تمثل الدولة امام المحاكم واللجان التحكيمية، أي انّها تدّعي بإسم الدولة وتدافع عنها.
وعن عدم تجاوبها مع طلب مجلس القضاء الاعلى الادّعاء بإسم الدولة على وزير الداخلية بسبب تعرّضه لقضاة لبنان، خصوصاً وانّها عضو في المجلس، قالت اسكندر، إنّها كرئيسة لهيئة القضايا ولو انّ مجلس القضاء طالب منها بالادعاء، فهي ايضاً تمثل الدولة أي وزارة العدل التي هي المسؤولة الاولى عن السلطة القضائية. واضافت: «على رغم من تمثيلي الدولة اللبنانية، يجب عليّ التواصل مع وزيرة العدل، وهذا ما فعلته. وشاءت المصادفة انّها كانت خارج البلاد، ولذلك تريثت وأنتظرت عودتها للتشاور واتخاذ القرار المناسب».
ولفتت اسكندر الى انّها ليست مدّعياً عاماً لكي تحرّك الدعوى من دون سؤال المرجع المختص، الذي يجب عليه الادّعاء اذا شاء. اما مهمتها كرئيسة لهيئة القضايا فتنحصر بالمطالبة بالتعويضات لمصلحة وكيلتها، اي الدولة اللبنانية.
واشارت اسكندر، الى انّ مجلس القضاء حرّ في قراراته، وهي، ولو كانت عضواً فيه، لا يمكنها ان تفرض عليه اتخاذ اي اجراء او قرار، لأنّه هو الذي يقرّر مجتمعاً. أما دورها القانوني فيقضي بمراجعة وزارة العدل. وقالت: «صحيح أنني أخذت برأي مجلس القضاء، إنما عليّ ايضاً التواصل مع الوزارة التي امثلها، وهذه هي الآلية القانونية لعملي كرئيسة لهيئة القضايا».
وعلّقت على قول بعض الاوساط القضائية، إنّ ضغوطاً ما قد تكون مورست عليها فقالت: «لست أنا من يُمارَس ضغوطاً عليها، فأنا وكيلة الدولة ولا احد يمارس ضغوطاً على الدولة». «أنا بشتغل قانون»، وصحيح أني عضو في مجلس القضاء ولكن انا ممثلة الدولة، وهذا لا يتنافى مع سلوكي الطرق القانونية ولا احد يمكنه التأثير عليّ».
ولفتت اسكندر الى انّه «في مطلق الحالات فإنّ النيابة العامة هي التي تحرّك الدعوى». اما بالنسبة للتعويض على الدولة فهي قد لا تتدخّل الّا امام المحكمة، أي يبقى لها حق التحرّك والمطالبة بالتعويض قبل ختام المحاكمة.
في الخلاصة لا يمكن عدم الإقرار بأنّ استدعاء وزير داخلية في الدولة اللبنانية هو ظاهرة مهمة سيذكرها التاريخ المعاصر، لأنّها المرة الاولى في تاريخ العالم العربي يتمّ التحقيق فيها مع وزير عربي اثناء توليه السلطة، فكيف اذا كان ايضاً وزيراً للداخلية، وهي تُعتبر خطوة معنوية كبيرة ومهمة للقضاء وللسلطة القضائية.
وتكشف المصادر القضائية المطلعة في هذا الصدد، أنّ النيابة العامة التمييزية تتجّه الى استدعاء اعلامي معروف للمثول امامها، بهدف الاستجواب والتحقيق معه في القضية نفسها، وربما احالته الى محكمة المطبوعات.
وفي وقت تتلهى مجموعات حقوقية بالتعليق على الأخطاء المزدوجة في الجسم القضائي، يقول احد هؤلاء «إنّ معركة تحصيل حقوق القضاة يبدو انّها تحولت نزاعاً سياسياً بل شخصياً داخل الجسم القضائي. فيما علّقت مصادر قضائية على طلب مجلس القضاء انّه «يبدو اليوم وكأنّه يرمي الطابة في ملعب النيابة العامة، في وقت كان يجدر به تحصيل حقوق القضاة قبل مطالبة الغير بتحصيلها. وأنّ المعركة القضائية ستفقد زخمها فيما لو استمرت الاستفزازات وتضارب المصالح الشخصية والسياسية داخل الجسم القضائي».