الوظيفة الأساسيّة للفقهاء والحوزة منذ أيّام شيخ الطّائفة الاثني عشريّة الطّوسي المتوفى سنة: "460هـ"هي: تصحيح أخطاء الأئمّة المؤسّسين ومقلِّدتهم من أولادهم وأحفادهم، والسّعي الحثيث لترقيعها، وتمييعها، وتأويلها، وإخفاء ما لا ينجع معه ذلك ولو عن طريق فرية ردّ علمه إلى أهله، وهذا الأمر يحصل من خلال تأصيل وتأسيس قواعد فقهيّة وأصوليّة وحديثيّة ومذهبيّة معروفة.
ولهذا حينما يرجع الباحث للتّراث الرّوائي المرويّ عنهم في أمّهات الكتب المعتبرة وبأصحّ الأسانيد أيضاً يجد نسبة كبيرة من الفتاوى المتناقضة تمام التّناقض مع فتاوى أخرى لأصحابها أنفسهم، ومع الفتاوى الملمَّعة في الرّسائل العمليّة كذلك؛ وذلك: لأنّ ما في الأخيرة هو فتاوى مفلترة يُراد لها الحفاظ على انسجامها والإطار المذهبيّ الاثني عشريّ العامّ، والّذي يفترض أنّ هذه النّصوص صادرة من متكلّمٍ واحدٍ فاردٍ عالمٍ معصومٍ لا يأتيه الخطأ والاشتباه من بين يديه ولا من خلفه، بحيث يشعر القارئ بوجود تماسك وترابط تامّ سببه نصوص الأئمّة المؤسّسين ومقلِّدتهم.
مع أنّ الأمر ليس كذلك؛ وذلك لأنّ الفتاوى الصّادرة منهم والّتي حملتها تلك النّصوص لم تكن من هذا القبيل، وكان أصحابها يجيبون على أساس المحاولة والخطأ أحياناً، بل كانوا يتعمّدون الخطأ دون وجود مرجعيّة حاسمة للصّحيح عندهم، أمّا ما في الرّسائل العمليّة من تماسك واتّزان ملحوظ فهو نتاج عمليّات فلترة وفيترة صناعيّة حوزويّة معروفة سيّما بعد أفول نجم الأخباريّة وصعود الأصوليّة على كرسيّ الزّعامة بشتّى الحيل والأساليب، ومن لا يعرف هذه الحقائق سيبقى طيلة حياته مستغرقاً في اجترار تدريس الكفاية والمكاسب والحلقات وكتابة شروح لها، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.