الكلام عاجز في زمن الفقر والفساد والإفساد، وأكثر عجزاً في زمن الصمت، في زمنٍ دقَّت فيه طبول المجاعة والمخمصة، والعدو يتربَّص بنا الدوائر من كل الجهات، وخلفنا بحرٌ مزدحمٌ وصاخب، وأقراشه وحيتانه جوعى.
فالقدس لنا، وخرائط الأطلس كلها لنا، ولو تعثَّرت دابَّة في المحيط الهادر إلى الخليج الثائر فهي مسؤوليتنا. وفي الوطن جعلناه علبة كبريت، وألبسناه أثواباً مرقَّعة وممزقة، وعلى كل ثوبٍ علامة فقرٍ ودم، تميِّزه رموز الأهواء والطوائف، فطقوس الفقر والموت شأنٌ داخلي، والمنظَّمة العالمية لحقوق الحيوان الناطق، لا شأن لها بالأوضاع الداخلية، وإنما الأصول الدولية تتدخل في الحرب والنهب والسلب، بل في النوم والأكل والدرب.
يا أيها الرئيس المؤتمن؟ والحواريون السُجَّدُ الرُّكَّع؟ أين رغيف الخبز وكاسة اللبن، والدواء بلا ثمن.
ستجيبوننا أحاصلٌ هذا في لبنان الوطن!! ونحن نبحث عن الدواب المتعثرة والمتبعثرة في بلاد الأطلس واليمن. وفي السر والعلن، فألف شكرٍ لمن أئتمناهم على العيش منذ زمن، لا تؤاخذوننا على تقصيرنا، فنحن المجرمون وأنتم الضحية، فنحن من نسرق أموالكم وأرواحكم، ونزعج حرَّاس قصر الوطن.
إقرأ أيضا : هل تريد أن تعرف ماذا يجري في لبنان؟
في غمرة هذه المرارة المريرة، التي ما زالت تختمر في القلب والعقل والروح، نستذكر مقولة رجلٍ حمل همَّ الجوعى والمحرومين في الوطن، السيد موسى الصدر عندما قال: أيها الحكام اعدلوا قبل أن تبحثوا عن وطنكم فلا تجدوه إلاَّ في مزابل التاريخ.
لكن القوم حائرون؟ يبحثون، يناقشون، يتهامسون، ويستاءلون، عن بئس المصير؟ تعددت الأهواء وكثرت المصائب والمتاعب، وتوالت النكسة بعد النكسة، والنكبة تلو النكبة، وتبقى الغرابة، في نظرية المؤامرة، كيف تسلَّلت إلى عقولنا وبيوتنا وثقافتنا وأفكارنا، ونحن ذاهلون وغافلون ، وتخدَّرت في سباتٍ عميق، وهل سنبقى في رثاء حالنا وأوضاعنا، أم هناك من يبعث فينا الأمل، ويوقظنا من حالة السبات والخمول.
مرَّ نابليون من هنا، فوجد اثني عشر تمثالاً من ذهب، فسأل عن أصحابها، فقيل له هذه للرسل ـ حواريي عيسى (ع) ـ فقال: أنزلوهم واسكبوهم نقداً. ودعوهم يبشروا في الأرض بالرحمة، كما فعل معلمهم.