في ظلّ انهيارٍ اقتصادي ومعيشي لامس خطوط الخطر المُحدق وسطوة طغمة سياسيّة فاسدة تأبى الرّحيل حتّى ولو كان بقاؤها على حساب الوطن ودماء اللبنانيّين الذين لم يتعافوا بعد من تداعيات جريمة مرفأ بيروت المريعة في غيابٍ تام للمساءلة والمحاسبة، حل الثاني والعشرين من تشرين الثاني هذا العام ولبنان غارقٌ في أزماته المستعصية المتشعّبة، التي جعلت اللبنانيين في حال من الخوف والأسى والأسف على وطن مدمر لم يعرف معنى الدولة المستقلّة .
ما قاله رئيس الجمهورية ميشال عون في خطاب عيد الاستقلال عن موضوع تأليف الحكومة الجديدة وما ضمنه من عبارات ودعوات لـ«تحرير الحكومة من التجاذبات» وما ساقه من اتهامات من دون ان يسمي من يقف وراءها مباشرة ولا نعرف إلى من وجه رئيس الجمهورية الدعوة لإقرار التشريعات اللازمة للإصلاح والمحاسبة ، وهو القابض مع حلفائه على كلّ الأكثريات في المجلس النيابي والحكومة، وهو الممتنع عن توقيع التشكيلات القضائية ، إلا بما يحقق هيمنة فريقه السياسي على كلّ مفاصل الإدارة. أو على من يلقي اللوم لتحرير مؤسسات الدولة من نفوذ السياسيين والمرجعيات أو لتحرير عملية تأليف الحكومة من التجاذبات ومن الإستقواء، أليس هو القابض على تسمية الوزراء والمتحالف مع المتمسكين بتطييف الوزارات .
مع حالة الانسداد السياسي، يستمر العدو الإسرائيلي في استدراج لبنان إلى سجال علني وإعلامي حول ملف ترسيم الحدود، لا يمرّ يوم إلا ويخرج مسؤول إسرائيلي بتصريح، أو وسيلة إعلام بتسريب معين، والهدف هو ممارسة الضغط المعنوي، ليس فقط لفرض الشروط التقنية في آلية الترسيم وما سيتم إنجازه، إنما ما أصبح معروفاً هو دفع لبنان إلى خطّ التطبيع السياسي إنطلاقاً من ملف الترسيم على أن يتوسع النقاش أو الحوار بين الوفدين ليشمل ملفات سياسية خصوصاً ان المنطقة كلها تسير في ركب التطبيع، وفي هذا السياق يمكن وضع موقف وزير الطاقة الإسرائيلي الذي دعا رئيس الجمهورية ميشال عون إلى حوار في إحدى الدول الاوروبية.
هذه المواقف إذا ما أضيفت إلى الضغوط الأميركية المستمرة على لبنان، تعني أن الأزمة اللبنانية المديدة لن تنتهي قريباً في ظل عدم اتضاح آفاق المرحلة المقبلة إقليمياً، وطالما أن القوى لا تزال على تمسكها بشروطها وغير مستعدة لتقديم تنازلات، لم يعد بالإمكان التعمية وفصل الملف اللبناني الداخلي عن أزمات المنطقة المتشابكة والمترابطة مع بعضها البعض، لا سيما في ضوء تأثير العقوبات الأميركية على عملية تشكيل الحكومة، وانتظار القوى الإدارة الأميركية الجديدة لحسم القرار النهائي بشأن عملية تشكيل الحكومة، التي على ما يبدو ستنتظر لأسابيع ريثما تتضح الوجهة. في هذا الوقت تتحدث المعلومات عن عقوبات أميركية جديدة ستصدر هذا الأسبوع على شخصيات سياسية لبنانية من مختلف التوجهات ما سيعقد الأمور اكثر.
إقرأ أيضا : إلى متى سيبقى لبنان متلقي كرات النار الدولية الاقليمية
عربياً اعتبر وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان آل سعود أن أهم ما يمكن للبنان أن يقوم به هو مساعدة نفسه، فالوضعان السياسي والاقتصادي في لبنان هما ثمرة طبقته السياسية التي لا تقوم بالتركيز على تحقيق الرخاء للشعب اللبناني . ورأى في مقابلة صحافية أن على الحكومة اللبنانية التركيز على القيام بإصلاحات حقيقية، وتقديم الخدمات من أجل البلاد وبدء العمل على امكاناته .
وفي هذا الإطار، لفت اهتمام الأوساط الدولية والاقتصادية ما قاله الخبير الاقتصادي الأميركي ستيف هانك إلى ان لبنان تجاوز دولة زيمبابوي ليصبح في المرتبة الثانية من حيث التضخم العالمي 365٪، بعد فنزويلا 2.33٪، بيروت تحترق، والسياسيون لا يكترثون، حسب تغريدة هانك .
مصادر مراقبة حذّرت من أن لبنان على وشك الانهيار الكبير وهو بات بانتظار قرار كبير على مستوى دولي وإقليمي لحل الأزمة، متحدثة عن سيناريوهات متوقعة على هذه المستويات، آملة ان لا يكون لبنان من ضحاياها، لكنها أكدت ان ترك البلد ينهار بهذا الشكل قد يكون مقدمة لشيء ما، خصوصاً وأن مقومات العيش لغالبية اللبنانيين لم تعد موجودة.
وفي الوقت الذي تعلو فيه موجة التصريحات من كل الجهات حول التدقيق الجنائي الذي يريده كل فريق على قياس مآربه، فإن الكباش الذي انطلق على خلفية ذلك، أوحى بأن التأليف الحكومي بعيد المنال. مصادر مطلعة قالت إن معاودة الاتصالات في غضون الأيام المقبلة بشأن الحكومة لن تحصل قبل ان تكون عاصفة المواقف قد هدأت وبدأ الجميع بتحكيم العقل، لأن لا مناص من وجود حكومة قادرة وفاعلة، بعدما أثبتت حكومة تصريف الأعمال عجزها عن ادارة الأزمة مع تزايد الحديث عن النقص في احتياط المصرف المركزي والتلويح برفع الدعم، وضرورة العمل على وضع خطة وطنية لترشيد هذا الدعم بدل رفعه ، لا شيء جديداً في ما يتعلق بملف تشكيل الحكومة، لدرجةٍ يمكن معها القول إن التأليف دخل في إجازة طويلة على ما يبدو.